آخر الأخبار

أكتوبر الثورة

الجمعة, 16 أكتوبر, 2020

ثورة أكتوبر المجيدة في ذكراها 57, ثورة حق لشعب تواق للحرية والكرامة والعزة وتقرير المصير بإرادته الحرة والانعتاق من التبعية للمستعمر الأجنبي وأعوانه , لتعيد للأمة احترامها  بين أمم المعمورة .


هي ثورة وعي تأصل فينا نحن جيل نشأ في مخاض هذه الثورة , بانطلاق شرارتها الأولى من جبال ردفان الشماء ,وتزينت بأيقونتها الثقافية والفكرية من عدن , المدينة والمدنية المنفتحة على كل الثقافات والأعراق والحضارات , بأرضها الخصبة أنبتت الفكرة ونبتنا وتفتح وعينا. 


عدن الوعي الثوري والتحرري الذي ولد من رحم الحركة العمالية كنواة للحركة الوطنية اليمنية للشمال والجنوب معا , كانت منارا  ومنبرا لحركات التحرر العربية , بدعمها المعنوي والمادي السخي , عدن التي جمعت الاشتراكيين باللبراليين والإسلاميين بالقوميين والوطنيين بكل مشاربهم الفكرية والسياسية على كلمة سواء ,تطلب الحرية والكرامة وتحفظ السيادة , كشباب تلك المرحلة شهدنا المعارك  الفكرية والثقافية والفدائية معا , وتركت فينا اثرها الذي لازال مرشدا لوعينا واختياراتنا ومواقفنا , في سن الدراسة الأكثر شغفا في المعرفة وتفحصا لما يدور في أحياء وشوارع وسفوح جبال عدن , متابعين أحداث المعركة التحررية بكل تفاصيلها , وخطاب القومية العربية والزعماء وعلى رأسهم جمال عبد الناصر , في تطفلنا لجلسات الكبار واستماعهم لتلك الخطابات وتحليلاتهم ونقاشاتهم , في مقاهي عدن التي لا تخلو أي مقهى منها من المذياع وتلك الجلسات , وما يسودها من راهبة الصمت والتمعن بالاستماع .


نشأنا متأثرين بتلك المرحلة ثقافيا وسياسيا واجتماعيا , بفسيفسائها من الطوائف والعقائد والأعراق والتوجهات السياسية والفكرية , بيئة تنشط العقل  ,وتضبطه بقيم ومبادئ إنسانية عظيمة ,بل ثورية جسدت فينا قيم ومبادئ الثورة وعظمتها . 


نشأنا في بيئة محترمة نعي معركتنا الوطنية , بوعي الثورة وتحدياتها الفكرية والثقافية والحضارية , وعي يستلهم معرفة وجهد وطاقة تحفظ احترامنا لأنفسنا اولاً ولشركائنا ثانيا , في توظيف كل ذلك لوطن يستوعب هذا الحق  .


كانت الثورة لحظة تاريخية فاصلة لتكتسب الامة احترامها , وتحطم قيود التبعية والاستعمار والتخلف والعصبية , وحق  تقرير المصير والتحرر  والانعتاق وبناء المستقبل الجديد الخالي من الظلم والاستغلال والتمييز والتبعية للأجنبي.


عظمة الثورة أنها وحدت الأرض والإنسان , في الجنوب وحدت 22 سلطة وإمارة , واستعادت وحدة الوطن , على طريق الوحدة العربية الحلم , وحطمت حلم المستعمر في أنشأ كيانه الاستعماري الجنوب العربي , لسلخ الجنوب من جذوره التاريخية وهويته اليمنية  , وعزز حلم الوحدة وهو ينمو ويتقوى في رحم وحدانية حركات التحرر الوطنية التي شكلت سلسلة متواصلة ومتلازمة معا تدفع بعضها بعض في معركة مصيرية واحدة , ولهذا كانت  ثورتي سبتمبر و اكتوبر امتداد لتلك الحركات , القوميين العرب والناصرية والإسلامية معا , في وحدة الهدف والمصير .


حاولوا أعداء الأمة القضاء على هذا الحلم وهو في رحم حركات التحرر العربية , بزرع بذور الفتن والجهل والتخلف وترسيخ العصبيات الصغيرة لتفكيك الامة والقضاء على حلمها , افقدوا الثورة  شيئا فشيئا من وعيها , دافعين بقوى تخلفنا وتعصبنا لتستهدف مناطق الوعي والثقافة والفكر الثوري المتحرر وتلتهمها كعدن وتعز وحضرموت , وتحولت الثورة  لمجرد نزعة مزاجيه لمجموعة طائشة مراهقة قدمت من مناطق العصبية , وبدعم خارجي و وهم تسلطي ,تبحث عن الشهرة ومصالح انية , تدير مجموعة من الانقلابات عسكرية دبرت  في جنح الظلام الفكري والثقافي وظلمة الوعي الثوري ,لفرض مزاج سياسي و أيدلوجي أصولي متعصب  يلزم الشركاء للخضوع والاستسلام لأمر واقع لا يلبي تطلعاتهم ولا يحفظ لهم احترامهم , وبالتالي نفقد مسألة الاحترام هنا , لتتحول الثورة إلى مجرد ذكرى , في أنظمة أصولية دكتاتورية مستبدة أسرية طائفية ومناطقية , تقيم لها الاحتفالات الجنائزية .


أقولها بأسف وغصة تقتلني , اغتصبت منا سبتمبر وأكتوبر بالانقلابات  التي  خلفت تراكمات وشروخا عميقة في جسد الثورة , واستمرت تلك التراكمات تغذي كرة الثلج , وبدأنا مرحلة من الاغتصاب الفكري والايدلوجي , فكفر العديد بالثورة , ناعيا الأمة ومستقبلها في سنوات عجاف من الصراع , سلم البلد والثورة للقوى التقليدية المتخلفة والمتعصبة الغير محترمة والتي لا تحترم نفسها ولا شركائها , ففقدنا بصيص أمل بالتغيير المأمول ليضع الامة في مصاف محترم بين الأمم , فسرنا وسار الوطن من سيء إلى اسوأ , وها نحن نعيش في أخطر مراحلنا , أن نجد من يلعن تلك الثورة , ومن كفر بقيمها وعظمتها , ومن يهد اليوم أسسها واستحقاقاتها , وتعود للواجهة  مشاريع استعمارية واستبدادية طائفيه مناطقية , كانت الثورة قد حسمت أمرها , وتجاوزتها للانطلاق نحو الحرية والانعتاق من تلك المشاريع ,اليوم عادت فكرة تمزيق وطن لكنتونات استعمارية , وعادت الإمامة لشمال الوطن , ونرى مشاريع استعمارية تحاول ان تعود للجنوب .


لم نستسلم بعد ولن نستسلم  ولازلنا نقاوم ونتصدى لتلك المشاريع وستنتصر الثورة بشرفاء الوطن , ستنتصر بفرض احترامها لذاتها وشركائها وحقهم في الحياة كما يتطلعون , احترام العقائد والتوجهات السياسية والفكرية , احترام منضبط  بنظام وقانون ودستور ينظم إيقاع الحياة والاختلاف والتنوع في دولة اتحادية هي المخرج الوحيد لمصاف الحرية والنهضة والتقدم لتبني دولة مدنية محترمه ترفع من شأننا بين الأمم. 

المقال خاص بموقع المهرية نت 

الحرب ومصير الأمة
السبت, 21 ديسمبر, 2024