آخر الأخبار
عدن وذكرى ثورة أكتوبر
في الذكرى 57 لثورة 14 أكتوبر العظيمة , نحتاج أن نتأمل في مشهد الثورة , وواقعنا اليوم يقدم لنا مشهد الثورة كلوحة جميلة , لم تستطع أن تغير مجتمعا وتشكل بنيته الثقافية والسياسية , لما يخدم وطن يستوعب كل أبنائه ,مشهد الثورة في بلدي هو حفنة من الشعارات ترافقها أحداث دموية ,إعادة تموضع قوى العنف والإيديولوجيا والطوائف والسلالات , وشكلت لوحة صراع دموي على السلطة والثروة , ودخلت البلاد في حروب عبثية , لازالت رحاها إلى اليوم تنقل اليمن وعدن من فشل لفشل , وهزيمة مروعة للوطن والثورة والأرض والإنسان.
نحن جيل عشنا الأحلام الكبرى , وشهود لتاريخ نضالي عريق منذ الكفاح المسلح ضد الاستعمار , مرورا بكل منعطفات ما بعد الاستقلال إلى اليوم , كنا جزءا من الحماس الثوري , الذي كان يصور لنا المدينة الفاضلة , وأحلام ( كانت مجرد اوهام ) أن نقطف التفاح من الطاقة , واجهنا أسئلة تاريخية تهنا في إجاباتها وتناقضاتها , نحن جيل لم يقبل بكيان الجنوب العربي الاستعماري , وتمسك بجذوره التاريخية وعراقته وأصالته اليمنية , جيل الفدائي والمناضل خليفة عبدالله حسن خليفة الذي فجر قنبلة المطار لتعطيل التوقيع على تشكيل الكيان الاستعماري ( الجنوب العربي ) , ليكن وكيلا لذلك الاستعمار في المنطقة , جيل عاش لحظات تبادل الأدوار النضالية في الأحياء وشوارع عدن , وشهد عن قرب رفاق الكفاح المسلح ذات التنوع الفكري والسياسي وهم يختلفون في لحظة , وتقاتلوا في حرب أهلية يوم الاستقلال المجيد , شاهد صور المطاردات في شوارع عدن , بين جبهة التحرير والقومية , والقتال الدموي بين رفاق الكفاح المسلح , و لحظات القتل والاعتقال والتخوين لكل معارض للجبهة القومية .
جيل عاش في عدن وهي في قمة مجدها ونهضة مينائها , مستمتع بسماع صوت البواخر وهي تلقي التحية لكل سكان المدينة في الدخول والخروج من الميناء بأعداد تنافس كل موانئ العالم , وشاهد أيضا على انحسار تلك النهضة , وكاد الميناء يخلو من البواخر , عاش في عدن السوق الحر والمركز التجاري العالمي , وعاشها أيضا في سوق القطاع العام واحتكار الدولة لكل شاردة وواردة ,عاش نهضتها العمرانية , وتأميم المساكن , وإنشاء الوحدات السكنية لذوي الدخل المحدود , شهد فترة تقييد عدن كسوق حرة بشروط مجحفة بحق عدن , لم تمكن الميناء من المنافسة , والاستمرار في قمة الصدارة العالمية , وترك فراغا امتلأ بدول طارئة اليوم تهاب عودة نهضة عدن وتعمل بكل ما تملك لتقييد عدن.
نحن جيل حماس مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية المركزية , جيل الاشتراكية في مواجهة الإمبريالية في الصراع الدولي, والدعم اللامحدود لقوى التحرر من الرأسمالية والإقطاعية في أي بقعة بالعالم , مما جعل منا مصدر قلق لدول الجوار , وشعارات العداء والتخوين لكل الأنظمة المغايرة للاشتراكية , نحن جيل (سالمين نحن أشبالك وأفكارك لنا مصباح ) , وما شابه تلك الشعارات التي تمجد الفرد وتصنع الطغاة , ومع احترامي لسالمين الرئيس الذي كنت ألتقيه في الشارع العام وسوق الخضار والفعاليات الرسمية دون تكلفة وبهرجة حراسات , ونلقي عليه التحية كأي مواطن , كان نقيا في نظام لا يقبل التغيير وكان ضحية بمجرد أن فكر في التغيير لما يخدم تطلعات الناس.
نحن جيل الروح الثورية التي طالبت بتخفيض الرواتب واجب , وتحريق الشوادر واجب , وشارك في الانتفاضات الفلاحية وتشكيل التعاونيات الزراعية , كنا جزءا من إنجازات المرحلة , وجزءا من انتكاستها , كنا الحشد للمهرجانات وصوت الهتافات , وكنا أيضا ضحايا الانتكاسات , انقسمنا بين مطارد ومنفي ومعتقل وتحت الإقامة الجبرية , وبين قتيل وشهيد وجريح ومتهم وخائن وعميل و وطني , بمزاج سياسي وميزان أيدلوجي عقيم .
نحن جيل وطن عاش نصفه منفيا في شمال الوطن , والنصف الآخر لم يستقر لا سياسيا ولا اقتصاديا بالوطن , فاضطر لوحدة اندماجية , كان نصفه في الطرف الآخر جيشا وشعبا وكوادر , يتطلع لوحدة ترميم النسيج وتعيد اللحمة , وتأمل بالتعددية والديمقراطية , والخروج من دائرة الحروب العبثية , وكنا ضحايا منظومة سياسية , لم تستوعب التحولات الكبرى والتاريخية , منظومة كانت وكيلا للقوى المعادية , أفشلت فكرة الوحدة والتعددية والديمقراطية , وحولتها من نعمة لنقمة , زادت من الشروخ الاجتماعية والسياسية , ووسعت الفجوات , زادت من حجم الفخاخ , وهي اليوم تتفجر في وجوهنا قذارة ونذالة .
نحن الجيل المتطلع لأحلام وآمال الدولة الضامنة للمواطنة والحرية والكرامة ,بعد ثرنا على تلك المنظومة , ولازلنا نراوح في الخذلان , ولازالت عدن تقاوم لتنهض , ما تعرضت له عدن في السابق كوم , وما تتعرض له اليوم كوما آخر , أسقطوها في الرداءة والتفاهة , حينما برزت فكرة نكران الهوية , وغزتها الكراهية والعنصرية , وتعبث بها عصابات الفيد والسطو والبسط , اليوم من يسيطر عليها يعجز في ضبط إيقاع حياتها وأمنها واستقرارها ومعيشتها , ضبط إيراداتها ومصادرها ومقدراتها , تكاد تكون عدن قد فقدت كل شيء , فقد العدني طعم ولذت السمك وأرخص أنواعه ( الثمد والباغة ), فقد للرز والشتني , والعشار والزربيان , والشاهي العدني , وأصبح كل ذلك محتكرا لذوي الدخل المرتفع ممن ازدهرت حياتهم في ظل تجويع عدن , و تحجموا في ظل تقزيم عدن , امتلكوا قوة على حساب ضعف عدن , ولازالت عدن تقاوم ولم تنهزم وستنتصر لا محالة. إنها عدن تمرض لكن لاتموت , وتنتفض من بين الركام لتنفض من على كاهلها العفن , وستعود عدن تنافس بقوة وستنتصر وتنتصر الثورة .
المقال خاص بموقع المهرية نت