آخر الأخبار
ميزان الفكر في مواجهة الأحداث
حين نقرِّر أن نكون سعداء فلن تستطيع الرياح العكسيَّة أن تمحو قرارنا مهما كانت حدتها، السعادة مرهونة في المبادرة الإيجابية للفرد والجماعة، وعدم السماح للسلبية أن تغزو حياتنا .
السلبية تصور أن السعادة مجرد مخزون مادي ينضب كلما أخذت منه، والإيجابية تضع السعادة خبرة منبثقة من فكرة الحياة تزيدها وهجا كلما عشناها أكثر
إذا الحياة هي فكرة نكتسب منها خبرات رائعة (وعي)، نعيش سعداء إذا حافظنا على ميزان الفكرة في حياتنا، ونعيش تعساء إذا تهنا في دوامة الأحداث، وتعظيم الأفراد , تهنا في المشاكل بسلبية دون أن نقدم حلولا ناجعة .
تقييم الناس مرهون بميزان أفكار النظام والقانون، والحق والباطل، والعقد الاجتماعي المتفق علية، التقييم خارج هذا العقد هو مصدر بؤسنا، المصابون بالسلبية، لهم قانونهم ونظامهم الخاص، يرغبون في الخوض بالأحداث بسلبية اتهام الناس و تكفيرهم وتخوينهم خارج العقد الاجتماعي، وفق شكوك وتوجس السلبية لديهم، يندفعون للكراهية والأحقاد والثأرات والضغائن والفجور في الخصام , فتجدهم يفتقدون القدرة على التسامح والتصالح، والإنسانية والوطنية.
الإيجابية هي الحفاظ على الفكرة، وعي متراكم من خبرات، يستطيع فيها الإنسان أن يكون أكثر تسامحا، وأكثر إنسانية ووطنية، يمتص غضبة ويحتمل ألمه ، أقوى من كل الأحداث والمواقف ثابت الأفكار والقيم والمبادئ، مدافع صلب عنها.
واقعنا اليوم البائس بسبب السلبية المتوغلة في معظمنا، ممن كفروا بكل فكرة جميلة في الحياة والعلاقات، سلبيين يبثون روح السلبية القاتلة لتلك القيم والأفكار في الوسط الاجتماعي والسياسي، مدمرين ما تبقى من أفكار جميلة، والدفع لبدائل كارثية، و تناقضاتنا السلبية تقتلنا في كل ساعة ويوم .
بالسلبية تخلى هذا البعض عن هويته، وكفر بأفكاره وقيمه ومبادئه، وصار اليوم يدعو للعنف، الديكتاتورية، والعمالة، والارتهان لأعدائه التاريخيين.
لدينا ثراء من الخبرات الإنسانية والوطنية، أفكار رائعة، أفشلتها الأحداث ، والعقول العظيمة تنظر للأفكار، بينما العقول العادية تنظر للأحداث، والعقول الصغيرة تنظر للأفراد , وتهنا بين عظمة وتواضع وصغار العقول , بين إيجابية وسلبية قاتلة .
الجمهورية والديمقراطية والتعددية والوحدة، أفكار رائعة، تدعو للحرية والعدالة والمواطنة , والتبادل السلمي للسلطة ونزاهة إدارة الثروة , صحيح أن أحداثها كانت بعيدة عن جمال وسمو الفكرة , أحداث نحن صنعناها سلبياتنا , ولماذا الكفر بها , ونحن سبب إفشالها ؟ والمؤسف أن بدائلها كارثية بؤسا وتعاسة.
التخلي عن الفكرة لصالح الأحداث، يقتل لدينا كثيرا من القيم , فتمر الجرائم والقتل والانتهاكات أمامنا مرور الكرام دون أن تحرك ضمائرنا , وتشكل رأي عام ينصف الضحايا , لأننا نراها من وجهة نظر الأحداث , لا من وجهة نظر الفكرة كقيمة ومبدأ .
الوحدة كفكرة، قوة وتلاحم وإخاء ومودة وتراحم، أحداثها أساءت لها , والكفر فيها اليوم , يدفع لبدائل أكثر إساءة , النتيجة واقعنا البائس .
الدين نفسه، فكرة رائعة، لا يمكن لحدث مسيئ من شخص أو جماعة لم يصل بعد لمستوى وعي لفهم الدين , أن يجعل الناس يكفرون به .
الكفر بالدين جريمة بنص القرآن الكريم، والكفر بالقيم والأخلاقيات جريمة يعاقب عليها العقد الاجتماعي والشرع، فديننا الاسلامي يدعو للوحدة والتآخي والسلام والتسامح والتصالح والشورى والحكم الرشيد، ويحرم دم المسلم على أخيه المسلم , والفتن والكراهية والضغائن والثارات , فأين نحن من هذا الدين ؟.
كلها قيم وأفكار جميلة ورائعة، ندمرها بسلوكياتنا و سلبياتنا، ونصنع أحداثها بأيدينا , أو نعجز عن حمايتها، ثم نصرخ ونتألم , و ننتحر سلبيا ولبدائل كارثية، كنكران الهوية، والارتماء الارتهان والعمالة، والتسليم للخارج بالسيادة والقرار والأرض والعرض ، والله المستعان .
المقال خاص بموقع (المهرية نت)