آخر الأخبار

حقن الدماء هو السلام

الاربعاء, 20 نوفمبر, 2024

مفاهيم السلم والسلام تتغيٌر عند الناس، فهناك من يعتبر السلام استسلاماً، وهناك من يرى الاستسلام سلاماً، وكلُ ينظر إلى القضية من زاوية أخرى، حسب وجهه نظره. أما الحقيقة من وجهة نظري الشخصية هي أن حقن الدماء والحفاظ على حياة الناس بأي طريقة هو السلام. 

  الدخول في معركة ليس مضمونة العواقب، يموت فيها البسطاء، وتدمر فيها مقدرات الوطن، عمل متهور.


القائد البطل هو الذي يسعى إلى السلام، ويستغل كل فرصة تأتي إليه من أجل تحقيقه. فالله تعال يقول "وإن جنحوا لسلّم فجنح لها"..فى غزوة "مؤتة"، كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف وعدد الرٌوم مائة ألف. سقط القادة الثلاثة، ووصلت القيادة إلى خالد بن الوليد، فرى أن المعركة غير متكافئة وغير مضمونة العواقب؛ الاستمرار فيها تهور، فما كان منه إلا أن وضع خطة تكتيكية للانسحاب والعودة إلى المدينة بأقل الخسائر.


فعلا نحجت الخطة، وعندما وصل الجيش إلى المدينة خرج الرسول صلى عليه وسلم يستقبلهم، فخاطبهم أحد الصحابه "يا فرار". فقال عليه الصلاة والسلام "بل هم الكرار"، وأطلق على خالد بن الوليد لقب "سيف الله المسلول".



ما فعله خالد لم يكن استلاماً، إنما كان حقن دماء، لأن المعركة لم تكن متكافئة، فأين هذا التصرف من تصورات بعض المسلمين الذين يعتبرون السلام استسلاماً، يرفضون تقديم أي التنازلات لاعتبارات المصلحة العليا للأمة أرضاً وإنساناً.


من يعتبرون السلام استسلاماً هم في الحقيقة "تجار حروب" ، يخافون على مصالحهم، لأن مصلحتهم في استمرار الحرب، فالذي يموت ليس أطفال هؤلاء التجار، إنما أطفال البسطاء، البيوت التي تُدمّر ليست بيوتهم، إنما بيوت البسطاء فبذلك هم سيستمرون في هذه الحروب مادامت ترفدهم بالمليارات. 



كانت اليابان -الدولة التي تأتي منها كثيراً من الصناعات الحديدية- إحدى الدول المشاركة فى الحرب العالمية الثانية؛ وكان جيشها يقاتل بشراسة.


عندما قامت أمريكا باستخدام القنابل الذرية وقصف مدينتي هروشيما ونكازاكي؛ أدرك الامبراطور أن الحرب غير متكافئة؛ الاستمرار فيها انتحار؛ فأعلن الاستسلام؛ حفاظاّ على حياة شعبه. فماذا كانت النتيجة؟


لقد كان هذا الاستسلام بمثابة تحدٍ للشعب الياباني الذى عاد إلى الحياة من جديد؛ وقرر أن ينتصر، لكن بشكل آخر. 



عاد الإنسان الياباني إلى العلم؛ واستطاع أن يبني ويصنع ويبتكر، حتى صارت الدولة اليابانية، خلال سنوات قليلة، تنافس الدول العظمى وتتفوق عليها.


تصوروا لو كان إمبراطور اليابان استمر فى الحرب؛ النتيجة، ماذا كانت ستكون؟  سيتمر القتال والدمار والقنابل الذرية سوف تستمر فى السقوط على المدن اليابانية دون رحمة.


لكن الأيام أثبتت أن الاستسلام لم يكن هزيمة؛ اليوم التاريخ يتحدث عن عظمة اليابان وإجرام ودناءة امريكا.

  اليابان انتصرت أخلاقياً؛ لكن الأمريكان هزموا هزيمة أخلاقية قاسية؛ سوف تظل طول التاريخ. 



اليابانيون اليوم يترحمون على امبراطورهم؛ لأنه حقن الدماء، وحافظ على شعبه وأنقذ بلادهم من دمار شامل، بينما الأمريكان لم يحققوا شيئاً.


انتصار أمريكا كان انتصاراً للحظة من الزمن، لكنه كان هزيمة أخلاقية قاسية لا يزلون يتجرعون مرارتها إلى اليوم.

 

المزيد من تيسير السامعي