آخر الأخبار

فنانة تشكيلية تحول تراث اليمن إلى أيقونات فنية ولوحات برائحة البُن

اليمن أرض الألوان القديمة - من أعمال الفنانة ألطاف حمدي

اليمن أرض الألوان القديمة - من أعمال الفنانة ألطاف حمدي

المهرية نت - العرب القطرية
الثلاثاء, 02 يونيو, 2020 - 11:07 مساءً

حوّلت الفنانة التشكيلية ألطاف حمدي تراث بلدها اليمن إلى أيقونات فنية ولوحات تشكيلية ومجسمات، وخلال مسيرتها حصدت العديد من الجوائز في اليمن وخارجها، وأقامت الكثير من المعارض الشخصية.

 

لكن اعترضت مسيرتها الفنية كمبدعة عديد العراقيل والصعوبات في بلد محافظ، تقول ألطاف عبدالله حمدي لصحيفة ”العرب” القطرية، إنها استطاعت تجاوز أبرز تلك العقبات المتمثلة في عدم إيمان المجتمع الذي تنتمي إليه بمفهوم الثقافة التشكيلية ودورها الفعال في بناء وتطوير المجتمع، وهو الاعتقاد الذي تؤكد أنه ليس محصورا بالمرأة المشتغلة بهذا الفن فقط.

 

الرسم بالبن هوية وطن

 

عن بداياتها الإبداعية في هذا المجال تقول ألطاف حمدي “مازلت أرى أني في بداية المشوار الفني التشكيلي، فأنا أجد نفسي كل يوم في بداية جديدة، وهذه الفترة بالذات أنا في أول خطوة من مشواري الفني التشكيلي ذلك لأني أنهيت دراسة الدكتوراه في فلسفة التربية الفنية نقد وتذوق تخصص تشكيل مجسم. وأنا أتعامل مع الصعوبات كتحد وحافز ودافع لي للنجاح وهذه التحديات ساهمت كثيرا في تطور أسلوبي التشكيلي”.

 

وأول تحد تواجهه، كما تقول، كان إقناع أسرتها بأنّ تخصص التربية الفنية هو تخصص ومجال أكاديمي له دور كبير في بناء وتطوير المجتمع، الذي مازال ينظر إلى موهبة الرسم والنحت بأنها هواية ترفيهية في أوقات الفراغ فقط وليست علما.

 

بدأت الفنانة التشكيلية ألطاف حمدي مسيرتها الإبداعية في جامعة ذمار باليمن في تخصص علمي، كما تقول، ولكنها قررت في بداية مسيرتها الدراسية في قسم الأحياء الدقيقة أن تنتقل لقسم آخر هو “التربية الفنية” وهو الأمر الذي أثار استغراب واستهجان المسؤولين في الجامعة الذين طلبوا منها أن تكتب تعهدا خطيا بأنها مسؤولة عن قرارها، وهو ما اعتبرته حافزا لإكمال دراستها في هذا القسم بتفوق، وتحوّلها لاحقا إلى معيدة في هذا القسم الذي تقول إن الجامعة لم تكن توليه اهتماما كافيا انطلاقا من الرؤية العامة للثقافة التشكيلية، الأمر الذي دفعها للبحث عن منحة لاستكمال دراساتها العليا.

 

وإلى جانب التحديات التي واجهتها على المستوى الأكاديمي تتحدث حمدى لـ”العرب” عن التحديات الاجتماعية ونظرة المجتمع للفنون عموما، وخصوصا في منطقتها المحافظة والبعيدة نسبيا عن مركز الحراك الثقافي والفني، وتقول “في عام 2006 ومن أجل كسر العزلة الثقافية سعينا في منطقة يريم لإقامة معرض تشكيلي خاص بأبناء هذه المنطقة، وكان الهدف من هذا المعرض إنشاء بيت فن في هذه المديرية وتم إنشاء هذا البيت بالفعل وكان له دور كبير في نشر ثقافة الفن التشكيلي في المجتمع المحلي”.

 

تحويل تراث بلدها إلى أيقونات فنية ولوحات تشكيلية ومجسمات

 

في سياق تجربتها الفنية، ابتكرت الفنانة اليمنية ألطاف حمدي نمطا جديدا بدلالات ثقافية، حيث شرعت في رسم “البورتريهات” باستخدام البن، وعن هذه التجربة ودلالاتها تقول إن “الرسم بالبن اليمني يعني لي هوية ووطنا قبل أن يكون تقنية وخامة أرسم بها، فهو حوار روحي يحكي حكاية حضارة يمنية اشتهرت بزراعة البن، وكل يمني يعشق البن ويفخر به، وتجربتي مع الرسم بالبن جاءت لأني كأي  فنان يبحث دائما في الدلالات والرموز البصرية الكامنة ضمن الموروث الشعبي والحضاري لبلده”.

 

وتضيف “لم تكن هذه التجربة محاكاة واقعية لرسم أشجار البن وثمار البن أو مزارع البن اليمنية، بل استخدمت البن كخامة ولون بتقنية الألوان المائية، ولكني وظفت درجة لون البن اليمني الذهبية والبرونزية والبنية السمراء في الرسم على لوحات قماش تم تأسيسها بمادة ‘النورة’ التي كان يستخدمها اليمني في طلاء جدران المباني قديما، لتأكيد هوية العمل التشكيلي بتوظيف خامة ذات دلالة رمزية، و محاكاة واقعية لرسم وجه يمني مشرق، وقد اخترت تقنية وخامة الرسم بالبن كدلالة رمزية للفكر الفلسفي والثقافي اليمني، كما أضافت هذه التقنية قيمة جمالية للوحات التشكيلية ذات رائحة البن الزكية التي تسافر بالمتلقي إلى أرض اليمن السعيد وتحكي حكاية حضارة من أقدم حضارات العلم”.

 

وتتابع الفنانة “يمكن للمتلقي كذلك أن يشاهد و يتأمل وجوه أدباء ومثقفي اليمن في العصر الحديث والمعاصر، بالنظر  للدور الذي لعبوه في بناء الفكر والثقافة لمجتمع يمني حكيم، وهذه اللوحات ما هي إلا نص بصري تشكيلي يخاطب حواس المتلقي بأسلوب وتقنية ودلالات ورمزية بصرية تعبر عن الفكر الفلسفي والحكمة اليمانية، لحضارة اليمن المستمرة منذ ما قبل التاريخ إلى يومنا بالتوازي مع إبراز الشخصيات الثقافية اليمنية“.

 

نشر ثقافة الفن التشكيلي في المجتمع

 

أسست حمدي مبادرة للتشكيل اليمني أطلقت عليها “قافلة الفن التشكيلي اليمني” بالتعاون مع الفنانة التشكيلية غادة الحداد، وعن هذه المبادرة التي تقول إنها ذات رؤية ورسالة تشكيلية، تعتبر حمدي أن نجاحها جاء نتاج تعاون الفنانين التشكيليين ونوعية أعمالهم التي كان لها صدى كبيرا لارتباطها بهوية وحضارة اليمن.

 

وتضيف “هذه القافلة هي مبادرة تطوعية مستقلة بجهود شخصية من الفنانين التشكيليين اليمنيين أنفسهم، فكرتها قائمة على إثراء المشهد التشكيلي اليمني المعاصر وإيجاد حلقة وصل بين الفنانين التشكيليين على المستوى المحلي والدولي لتشكيل لغة حوار ثقافي تشكيلي يعزز الرؤى والرموز البصرية لجماليات الثقافة والحضارة اليمنية.

 

وتتابع “بدأت القافلة بمشاركة 79 فنانا وفنانة من خمس محافظات يمنية في المعرض الأول ومشاركة فنانين مقيمين خارج اليمن من أربع دول، وفي المعرض الثاني كان عدد المشاركين 100 فنان وفنانة من 8 محافظات وكذلك فنانين مقيمين خارج اليمن من 6 دول، وفي المعرض الثالث كان العدد 122 فنانا وفنانة تشكيلية من 9 محافظات وفنانين يمنيين مقيمين خارج اليمن من 9 دول، وأن ما يميز معارض قافلة الفن أنها تشتمل على ندوة عن الثقافة التشكيلة وحوار عن الفن التشكيلي اليمني. وما زال هناك معارض للقافلة ولكن توقفنا نتيجة فايروس كورونا”.

 

الرسم بالبن كدلالة رمزية للفكر الفلسفي والثقافي اليمني

 

تركت الحرب ندوبا كثيرة في جسد الثقافة اليمنية وألقت بظلالها على الفن التشكيلي في اليمن، وحول هذا التأثير المفترض للحرب في المشهد الفني اليمني تشير ألطاف حمدي في حديثها لـ”العرب” إلى أن للحرب جوانب ووجوها متعددة، حيث تفجر الحرب في الفنان ثورة من الأحاسيس والمشاعر التي تتصارع في مخيلة الفنان التشكيلي، لهذا يعتزل الفنان الصراع والحرب، ويستقل بذاته مع العمل التشكيلي، بحسب تعبيرها.

 

وتسترسل قائلة “غيرت الحرب النص البصري التشكيلي، وشكلت نمطا تشكيليا يمنيا معاصرا يختلف تماما عن النمط التشكيلي اليمني المعاصر قبل عام 2011، ذلك أن الحرب متغير دخيل غيرت دلالات التشكيل ورموز الصورة، حيث كانت الأعمال التشكيلية للفنان اليمني، تحاكي الحياة اليومية للناس في الأسواق الشعبية والحرفيين وكذلك المناسبات الاجتماعية، وتحاكي جماليات الموروث الشعبي من عمارة وأزياء ومجوهرات، ولكن الحرب غيّرت هذه الدلالة الرمزية وظهرت أعمال تشكيلية تحاكي الصراع والحرب وتجسد الألم الذي وصل إليه وضع البلد.

 

تعليقا على مقولة الفنان العالمي بابلو بيكاسو “الرسم طريقة أخرى لكتابة المذكرات”، تعتبر حمدي أن الفنان يكتب ويعبر بلغة الشكل والألوان ويحاور المجتمع وذاته بلغة تشكيلية، مشيرة إلى أن لكل فنان لغة خاصة وأسلوب تعبير يختلف به عن غيره، وحتى عن ذاته في كل فترة في حياته، وتضيف “هذه اللغة عبارة عن أشكال وألوان وخامات تلقائية وأحيانا تكون واقعية في حالة تسجيل المذكرات والأحداث اليومية لحياة الفنان، وأنا أعبر عن ذاتي بلغتي التشكيلية الخاصة بي التي تتغير وتتطور في كل فترة، نتيجة تغير ظروف حياتي، وأعمالي التشكيلية لا تحاكي الواقع بشكل مباشر”.

 

أشكال وألوان وخامات تلقائية ​​​​​​​

 

وعن استخدامها للون كوتر موسيقي وطبيعة التفاعل بين الجمهور وبين لوحاتها الفنية تقول “اللون هو أحد عناصر العمل التشكيلي، ولكن أنا كفنانة أعتبر أعمالي، تعبيرية، أتحدث بلغة اللون الذي يأخذ عنصر السيادة ومركز الاهتمام بين عناصر العمل التشكيلي الخاص بي، ولكن من وجهة نظري الفنان التشكيلي له تفاعل واستجابة جمالية مع أعماله التشكيلية تختلف من متلقي إلى آخر. لأن الجمهور يتفاعل مع الأعمال التشكيلية فهو يقرأ النص البصري التشكيلي بناء على خبرته الذاتية البصرية والمعرفية التي تختلف من متلق إلى آخر وكذلك من ناقد إلى آخر”.

 

 

 


تعليقات
square-white المزيد في ثقافة وفنون