آخر الأخبار
في ذكراها التاسعة والخمسين.. اليمن شمالاً وجنوباً في قبضة الثورة المضادة لثورة الرابع عشر من أكتوبر (تقرير خاص)
تواجه ثورة اكتوبر في الوقت الحالي ثورة مضادة "متأخرة" من خلال عودة الهيمنة الأجنبية
الجمعة, 14 أكتوبر, 2022 - 12:08 صباحاً
يحتفل اليمنيون بالذكرى التاسعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر التي اندلعت عام 1963 في وجه الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن وسط تحديات حالية كبيرة تواجه سيادة بلدهم التي تحققت عبر طريق طويل وشاق من النضال الوطني، كانت ثورة أكتوبر أبرز محطاته.
هذه المحطة النضالية التي امتدت لأكثر من أربعة أعوام من الكفاح المسلح حتى أنجزت وعدها بطرد القوات الإنجليزية من عدن في الثلاثين من نوڤمبر 1967، قبل أن تعمد إلى إنجازها الآخر متمثلاً في توحيد نحو 21 سلطنة ومحمية في الجنوب ، تواجه في الوقت الحالي ثورة مضادة "متأخرة" من خلال عودة الهيمنة الأجنبية على السلطة والمقدرات في كل من جنوب اليمن وشماله، وعودة نزعة التشطير والانفصال بقوة إلى الفضاء العام .
ففي حين يخضع الجزء الأكبر من شمال اليمن لهيمنة إيرانية عبر جماعة الحوثيين التي انقلبت على الدولة اليمنية في سبتمبر 2014 ، ينزلق الجنوب أكثر فأكثر نحو هيمنة الإمارات التي تدخلت عسكرياً في اليمن ضمن تحالف إقليمي بذريعة مواجهة الحوثيين بقيادة السعودية في مارس 2015، وذلك عبر مليشيات انفصالية يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي .
كان التحالف العربي بداية تدخله في اليمن قد رفع شعار استعادة الشرعية اليمنية وتخليص عاصمة اليمن من السيطرة الإيرانية ، وهو ما بدا لأول وهلة أنه يصب في صالح السيادة اليمنية، غير أن محصلة ثمان سنوات من الحرب تكشف بوضوح أن الضحية الأولى لهذه الحرب كانت سيادة البلاد ، فضلاً عن مائات الآلاف من الضحايا الذين كان للتحالف نصيباً وافراً فيهم .
تحت مظلة هذا التحالف تخلقت عدد من المليشيات التي لا تخضع لحكومة الرئيس الشرعي عبده منصور هادي، وكان ذلك فاتحة إخراج الشرعية ومعها القرار الوطني من المشهد بشكل كبير ، وصولاً إلى تنفيذ انقلاب متكامل ضدها في العاصمة المؤقتة عدن في أغسطس/آب من العام 2019 ، وهو التطور الذي ساهم على نحو حاسم في تثبيت سيطرة الحوثيين على الشمال اليمني، ومعها الهيمنة الإيرانية بالتأكيد.
السيادة كلمة سر أكتوبر
جاءت ثورة أكتوبر الستينيات في ضحى حركات التحرر الوطني في معظم دول العالم الثالث ، وتزامنت مع طرد الامبراطورية البريطانية من معظم معاقلها في الشرق الأوسط مثل العراق ومصر والأردن، وهو ما جعل عدن تتحول إلى معقل أخير لا مجال للتفريط به بالنسبة للتاج ، وكان من السهل ملاحظة ذلك من خلال مسارعة الاستعمار إلى توسيع منشآته العسكرية فيها ، وترتيباته السياسية الهادفة لاستباق أي تحرك شعبي في خمسينيات القرن الماضي، مثل تأسيس اتحاد الجنوب العربي وتأسيس حكومة طبقية من السلاطين ومشائخ العشائر للاحتيال على أي مشروع وطني محتمل للمطالبة بالاستقلال .
لم تصمد أيٌ من تلك الحيل البريطانية أمام الوعي القومي المتصاعد في البلاد، وكان الخطاب الصادر عن الثوار يضع القوات البريطانية واتحاد السلاطين على صعيد واحد ، وذلك لأن الهدف النهائي للثورة هو تحقيق السيادة اليمنية على كامل المحميات، وذلك لا يتحقق باستهداف الانجليز وغض النظر عن أدواتهم .
كان الاستعمار قد وعد مراراً بمنح الاستقلال للجنوب، وسوّق لذلك في أجهزته الدعائية حتى يبدو للمتابع في الداخل و الخارج أن الثورة المسلحة في سبيل هدف قابل للتحقيق بالسلم ضرباً من العبث، غير أن الثوار كانوا يتعاملون مع الواقع على الأرض ، ويشاهدون القوات البريطانية وهي تحول عدن إلى مركز لقيادة الوجود البريطاني في الشرق الأوسط ، فضلاً عن أن الاستقلال الذي أرادته بريطانيا عبر الاتحاد لم يكن أكثر من نقلة خادعة في أساليب الاستعمار ، من استعمار مباشر إلى آخر غير مباشر، وهو شيء لا علاقة له بالسيادة اليمنية التي كانت هي أس الثورة وأساسها ، من المندوب السامي إلى الوحدة الخاصة والمساعد الجهادي.
بالنظر إلى واقع اليمن اليوم، يبدو وكأن إيران والإمارات، اللتين تتحكمان حالياً بمصير البلاد ، قد بدأتا من حيث انتهى الاستعمار البريطاني، حيث سارعتا إلى بناء نسختيهما من اتحاد السلاطين باكراً - الأولى عبر جماعة الحوثيين في الشمال ، والثانية عبر الانفصاليين في الجنوب ، وهو ما أعفى القوتين الاستعماريتين الإقليميتين من التورط المباشر في البلد المعروف ب"مقبرة الغزاة"، رغم وجود ممثل سام "سري" لكل منهما في صنعاء وعدن .
الكثير من التقارير الاستخباراتية الدولية كانت قد كشفت وجود ضباط في الحرس الثوري الإيراني في صنعاء ، مركزة بشكل خاص على إسم الضابط الموضوع على لوائح الإرهاب الأمريكية " عبد الرضا شهلاي" . موقع المصدر أونلاين سلط مزيداً من الضوء على هذا الموضوع عندما أكد قبل أشهر وجود شخصية بمسمى " المساعد الجهادي" في أعلى حلقات اتخاذ القرار لدى مليشيات الحوثي ، مرجّحاً أن الرجل هو أحد ضباط فيلق القدس التابع لطهران .
في موازاة ذلك، تعتمد أبو ظبي ، التي أعلنت سحب قواتها من اليمن قبل نحو ثلاث سنوات ، على خلية سرية تشرف على ما يزيد عن 200 ألف مسلح ، موزعين على ثلاث جيوش رئيسية ، وهي ألوية العمالقة الجنوبية ، وقوات حراس الجمهورية ، إلى جانب قوات المجلس الانتقالي المنادي بالانفصال .هذه الخلية السرية التي تحمل إسم " الوحدة الخاصة" تتحكم بأدق تحركات المليشيات المدعومة إماراتياً على الأرض، كما كشفت تقارير حديثة مدعومة بالوثائق .
هذا السقوط المتزامن للسيادة اليمنية في شمال وجنوب اليمن يحرم القوى الوطنية الحالية من امتياز كبير كان لدى ثوار أكتوبر الستينيات، عندما كان النظام الوطني الجمهوري الوليد في صنعاء بمثابة خط خلفي لفدائيي الجبهة القومية في الزحف المظفر لتحرير عدن .