آخر الأخبار
من أجل الحفاظ على ما تبقى من النظام
من أجل الحفاظ على ما تبقى من النظام السياسي التعددي بشقيه: (سلطة حاكمة+ سلطة اعتراض).
في البداية أشكركم أعزائي وأصدقائي الكرام على استجابتكم لطلبي بمنشوري السابق، ومن ثم تكرمكم بدفق المزيد من التعليقات التي شكلت مصدر إلهام لي في كتابة هذه المقالة، لاسيما وأنني اخترت القضية السابقة كنموذج من نماذج الاستدلال على جدلية العلاقة بين السلطة والمعارضة أيٍ كان شكلها ومستواها.
نحن في معركة استعادة الدولة ومن ذلك استعادة شكل النظام السياسي التعددي الذي يرتكز على ركنين أساسيين (سلطة + معارضة) وهو آخر حلقة من حلقات الدولة السيادية المنهارة التي يراد ضربها وتفكيكها من قبل المشاريع الدولية والإقليمية وأدواتها في الداخل.
بعد أكثر من عشر سنوات من الحروب والأزمات، لازلت أتساءل ماذا بقي من ركن السلطة الحاكمة..؟ وهل لازالت سلطة الحكم تحتفظ بأي قوام استراتيجي سيادي يمكنها من البقاء والاستعصاء أمام هذه المحاولات الدولية والإقليمية لنسف كل ما تبقى من تراث الدولة السيادية..؟وهل لازالت السلطة الحاكمة في وضع سيادي يمكنها من استيعاب واحتواء هجمات الشارع المعارض..؟ وفي الاتجاه نفسه لازلت أتساءل ماذا بقي من ركن المعارضة..؟ وهل لازالت المعارضة تحتفظ بأدنى قدر من القوام الاستراتيجي الديموقراطي المعارض..؟ وهل لازالت تمتلك الاحترافية بالقدر الذي يمكنها من انتزاع حقوق ومطالب الجماهير ضمن برنامج وطني معارض ورشيد..؟ وهل هذه الأصوات التي نسمعها من هنا أو هناك وهي تهاجم، وتعارض، وتنتقد، هي المعارضة الحقيقية التي تمثل ركن المعارضة في معادلة النظام السياسي التعددي..؟ والاستفسار الأهم أين ذهبت المعارضة السياسية بأشكالها الحزبية وكياناتها الديموقراطية التي ظلت عبر السنين الماضية المعبر الحقيقي عن ركن المعارضة في شكل النظام السياسي التعددي..؟
لقد عاتبني البعض في تعليقهم على منشوري السابق بأنني بدلاً من أن أطالب السلطة الحاكمة بالرشد، إذا بي أطالب الشارع المعارض..! وفي الحقيقة أجدني مهتمًا بترشيد المعارضة أكثر من اهتمامي بترشيد السلطة، إذ لا يهمني أمر السلطة أكثر مما يمهني أمر المعارضة، ولو قدر لي وتمكنت من الإسهام في بناء المعارضة بناءً رشيدًا لأصبحت أمتلك إمبراطورية شعبية ضاغطة معبأة ومنظمة، وبالتالي يمكنني الاعتماد عليها في تأديب أي انحراف سياسي أو تغول فاسد، وفي هذا الإطار فإن كل ما أطالب به في الوقت الحاضر هو المزيد من بناء مؤسسات المعارضة الشعبية، وتمكينها وترميزها، وترشيد خطابها بالقدر الذي يحفظ للنظام السياسي التعددي البقاء والاستعصاء، بما في ذلك الحفاظ على السلطة الحاكمة، وعندما أقول السلطة الحاكمة لا أقصد بذلك الرئيس رشاد العليمي ولا مجلس الثمانية، ولكنني أقصد السلطة الحاكمة باعتبارها الركن الأول من أركان النظام السياسي التعددي، لأنني أخشى في حقيقة الأمر أن تفيق المعارضة وقد انهارت السلطة بكامل قوامها ولم يتبقى لها من شيءٍ تعارضه.
في المقابل من ذلك فإنني أتطلع إلى المزيد من بناء السلطة الحاكمة وتقويتها بالقدر الذي يمكنها من احتواء واستيعاب مخرجات المعارضة في إطار النظام السياسي التعددي الجامع، ومن ثم التصدي الحازم لكل أشكال السطو على الشارع المعارض سواءً بفعل الاستقطاب المادي، أو بفعل الاستقطاب السياسي، أو بفعل المعاناة والإحباط، أو بفعل الانزلاق المتسارع ومن ثم التحول من معارضة بناءة إلى حركة رفض مفتوح لكل شيء بدون أي ترسيم او تقدير.
من المهم الإشارة في هذا الوضع أن الإجراءات الأخيرة التي قامت بها السلطة الحاكمة في سبيل استعادة الدولة الشرعية ومن ذلك استعادة دور المؤسسات السيادية وربطها بالمركز، وكذا توحيد العملة، وتقوية سلطان البنك المركزي، كانت قد مثلت ضربة قاضية لكل مشاريع استهداف الدولة السيادية، ولولا التراجع عن هذه الإجراءات لكانت أسهم السلطة الحاكمة في القمة، ولتم اكسابها البعد الاستراتيجي الوطني كأهم معبر عن حقيقة السيادة.
إن هذه التراجع الذي حصل كان بمثابة ازهاق لروح الأمل في نفوس الناس ولا أظن أن تبرم الشارع المعارض وخروجه عن ترسيمات الانضباط إلا ردة فعل تجاه هذا التراجع البائس، وفي هذا الاتجاه من المهم القول بأن مجلس القيادة الرئاسي بكل أعضائه مطالب في الوقت الحالي برفع سقف الاستعصاء والتمرد على الضغوط والممانعات، والصمود في وجه المؤامرات التي تستهدف آخر حلقة من حلقات النظام السياسي التعددي، وحينها سيجد المجلس نفسه هو والشباب المعارض الجاد على كلمة سواء.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك