آخر الأخبار
وللموز في أرخبيل سقطرى حكاية
أعزائي السقطريون إذا كنتم تعلمون منطقة في العالم غير سقطرى يكون فيها سعر الحبة الواحدة أو القرن الواحد من الموز أكثر من 333،3 ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين فاصل 3 فأخبرونا عنها لكي نعلل أنفسنا أننا لسنا الوحيدون الأغلى عالميا وأننا لسننا الوحيدون من يخطط أياما لشراء بعض حبات الموز ليس يوميا وإنما حتى ولو في الشهر مرة واحدة.
أغلب الناس في سقطرى لا تتجاوز قدرتهم على شراء الموز على غير نصف كيلو فقط ما عدا أبطالنا المترفين هم من يستطيعون شراء كيلو كامل من الموز وفي الحقيقة ليس جميعهم يستطيع ذلك فقط الشجعان منهم أما الجبناء فحالهم حال البسطاء.
قبل يومين ذهبت إلى موقع بيع الخضراوات أحدث نفسي أن هذه الليلة لا بد من أن يكون في مائدتها شيئا من الموز كونها ليلة عاشورا ليلة نصر احتفال بانتصار موسى عليه السلام على فرعون وزبانيته.. ولكن راعني منظر الموز لم يكن في سنبلة واحدة بل كل قرن ملقى لوحده وكأني به ينادي رفاقه من حوله أن يبتعدوا عنه شكله يخبر بما يعانيه ولو لم ينطق بكلمة واحدة تظهر على قشرته ندوب وحروق جلدية حتى كاد شكله أن يتحول إلى أسود قاتم.
قلت للخضرواتي أعطني شيئا من الموز قال لي اختار لنفسك قلت لا أستطيع فخبرتي في الموز الأسود قليلة وقد تمكنت من التحاور مع الخضرواتي بكل أريحية لأنه لم يكن هناك زبائن آخرون على الرغم من الوقت المناسب كما لم تكن على طاولته خضروات أخرى غير قطع الموز المنثورة على الطاولة كأنها جرحى انفجارات عنيفة ممددون على أسرة المشفى وبالجوار شيء من الباذنجان والبطاطس.
تصرف البقال فجمع لي حوالي خمس أو ست قطع من الموز وناولنيها في كيس حراري أخرجت النقود وسألته كم يريد لقاء قيمة قطع الموز هذه قال 1500 ريال مع التخفيض وإلا القيمة الأساسية 1800 قلت لا أريد إلا بألف فقط.
استرد مني البقال الكيس وترك لي فيها ثلاث حبات من الموز وهي الكمية المستحقة لألف ريال يمني حين وصلت الدار تفحصتها فوجدتها قاسية فتركتها في الثلاجة وتم مسح الموز من حضور مائدة الاحتفال العاشوري.
في اليوم التالي عند المساء تجاسرت على أكل حبة واحدة بكل ما أوتيت من قوة فما كدت أنجح في تخليصها من قشرتها إلا بصعوبة وجعلت ألوكها بأسناني فوجدتها عديمة الطعم أمضغها كأني امضغ خريفا غير ناضج وليت طعمها كطعم الخريف أحسن وصف لها باللغة السقطرية هي كالكرتب قلت في نفسي كيف يتسنى للطفل الصغير وللعجوز الأدرد أكلها.
فيما بعد تفحصت حبتي الموز الباقيتين فوجدتهما على شكلهما حتى الثلاجة لم تستطع تغيرهما وفضلا عن لون قشرتهما السوداء كانت كل واحدة منهما تحتوي في داخلها ندوب سوداء وقطع متحجرة قاسية ويفصلها من الوسط خط أسود طولي يشكل فراغا طويلا.
هذا الكلام وصف واقعي حقيقي وليس خيالا أو مبالغة وحاشا لله أن نتعمد تعييب الطعام أو السخرية منه بل تعمدنا منها رصد معاناة السقطريين في أبسط الحقوق والتي لم يلتفت إليها أحد ولم يهتم لأمرها أحد معاناة الغلاء الفاحش الذي ضرب الرقم القياسي على مستوى العالم معاناة سوء الرقابة وضعف الاهتمام لأمر الناس.
فلا يكفي أن السلعة باهظة الثمن بل سيئة التخزين فقدت طعمها الأساسي وشكلها الأساسي وما حبات الموز الثلاث هذه إلا نموذج لكثير من السلع ثم تجد البعض يستفسر ويسأل عن سبب تسلط الأمراض والأورام على الناس.
ليث السياسيين والقبليين والأحزاب والمواطنين والإعلاميين والأحرار ركزوا صراعهم الذي أزعج العالم زعيقا ونعيقا وشخيطا ونخيطا مقرفا لا وزن له ولا قيمة ولا مصداقية وحولوا ذلك الصراع إلى حل مشكلة الأسعار وحرصوا على المصلحة العامة وقاوموا الغلاء وتعاونوا على الحلول وعالجوا مسألة انعدام السيولة.
وليت السقطريين بطوائفهم ومللهم ونحلهم يفيدون من الحضارم حيث إنهم حين تواجههم مشكلة خدمية معينة الجميع يتحدث عنها ويشارك الجميع في تقديم الحلول والنصائح للحكومة وقد سمعنا عن كثير من الندوات عقدت خلال هذه الأيام لحل مشكلة انقطاع الكهرباء.
لن تنجح سلطة لا يتعاون الجميع معها في حل مشاكل البلد ولن تنجح سلطة تتحدى المجتمع وتعمل على نديته ولن ينجح شعب يركز كل همه على معارضة السلطة ولو على حساب مصلحته.
*هذا المقال خاص بالمهرية نت