آخر الأخبار
آثار الغزو القبلي لمدينة عدن
ما إن تسأل المواطن في المدينة عدن عن أحواله، إلا ويبادرك بوجه عابس ورد سلبي (والله طفشان وزهقان )، لا نوم بسبب الكهرباء والحر الشديد، والبعوض الذي يمتص دماءنا، وسهر الليل بحثا عن قطرة ماء، وإذا فكرت تتصل بأحد الزملاء أو الأقارب لتطمئن عن أحوالهم، عليك أن تلف الحارة والحارات المجاورة لتبحث عن الشبكة، وإذا رد عليك، ثوان وتنقطع المكالمة.
أبناء هذه المدينة هم الأقلية المحرومة، في الأسواق تعرف العدني من البؤس والطفش البائن في هيئته، يشاهد البذخ في مشتريات المتنفذين وأسرهم ممن يحكمون عدن اليوم بالحديد والنار، وهو عاجز على شراء كيلو طماطم (3000ريال)، يطوي في الشارع عن مقدرته الشرائية، والورقة التي بيده بمتطلبات الأسرة اليومية، وأطفاله الجياع الذين ينتظرون أن يدخل عليهم الفرحة بلقمة هنيئة.
للأسف في الآونة الأخيرة تحولت عدن لمقاطعات سكانية، كل جماعة من إخواننا في المحيط القبلي والريف، أسس له مقاطعته، لهم أعراسهم وعزائمهم، لهم جمعياتهم الخيرية، وتكافلهم الاجتماعي، وإن حدث ووجد شخص من خارج المقاطعة، يعتبر نشازا، ويسألك دائما أنت منين؟ وتحقيق حول أصلك وفصلك.
هذا أضر كثيرا بنسيج عدن المدني، منذ أن وجدت عدن على هذا الكوكب، واحتضنت كل الأعراق والثقافات والأطياف، ومثلوا جميعا نسيج عدن المتعايش والمتآلف والمتكافل، كان الهندي يسكن بجانب الصومالي واليهودي بجانب المسلم، والشمالي يسكن بجانب الجنوبي، وجميعهم يتزاوجون من بعضهم بعض، متآلفين ومتكافلين، تجد في عزائم العدني مهما كانت جذوره، كل الأطياف والأعراق، والجمعية العدنية خير مثال في تشكيلها، من هذا النسيج العدني، اليوم تبنى حواجز، شكلت مقاطعات، أفقدت عدن خصوصيتها كمجتمع أممي ، يتعايش فيه الناس بمختلف انتماءاتهم وأعراقهم، ويندمجون بشروط المدينة والمدنية، وتتاح الفرص المتساوية.
هذا الضرر تشكل من سياسات الصراع على السلطة والاستحواذ على الثروة، كان المنتصر يفرض نفسه على الأرض، ويستأثر بالسلطة، ومكامن الثروة ويستحوذ على مساحات كبيرة من الأرض، يشكل منها تجمعاته السكنية الخاصة التي ترفض الاندماج مع نسيج عدن المدني، ويعين عليها مسؤولين من نفس القبيلة والعشيرة والعرق، فتشكلت تلك المقاطعات، التي لا نحب أن نخوض بتسميات مناطقية، ولكننا نحلل تحليلا واقعيا للمشكلة.
هذا ما دفع أبناء عدن، وهم جموع النسيج المدني المقصيين، وكل من ترك قبيلته وعشيرته واندمج مع هذا النسيج ليصبح عدنيا، للمطالبة بحقهم في الوظيفة العامة، ونصيبهم من الثروة، حفاظا على مدنية عدن، وتعايشها وتألقها ورقيها، وفسيفسائها الجميل، ومجتمعها الكوز وبوليتي، التي امتازت به.
يجب أن يعرف إخواننا في المحيط القبلي، أن عدن مدينة ومدنية، من دخلها يجب أن يترك العصبية والقبلية في منطقته، يدخلها ليعيش ويستمتع بالمدنية والرقي والتعايش والتكافل الاجتماعي بين الجميع، إما أن يكون مدنيا ليكون عدني، أو يعيش ملتزما بخصوصية عدن، وحقها في أن تحافظ على تنوعها وتعايشها، والمدنية غير مقبول فيها قبلية ولا عصبية ولا سلالية ومناطقية وكراهية وعنصرية، هذه هي عدن فلا تعكرون صفوتها، واتركوا الناس فيها تتعايش وتعيش بحب وتسامح وسلام.
*المقال خاص بالمهرية نت *