آخر الأخبار
مشروع عدن النهضوي
يتساءل البعض , لماذا تتعثر كل محاولات وحدة الصف العدني ؟
وبدلا من أن تخوض النخبة العدنية في التحليل العلمي لتلك الأسباب , يترك هذا السؤال للعامة من بسطاء الفكر والثقافة , المثخنين بصراعات الماضي , والذين تأطروا بأسباب التشرذم الشديد الذي انتاب المشهد السياسي منذ الستينات , في مخاض عبثي للقضية , ساهم بشكل مباشر في استمرار التشرذم.
ما أحوجنا اليوم للعقل التحليلي , والتقييم العلمي لمسار القضية العدنية , ليفهم العامة وحاملي القضية بدون وعي , الحلقة المفقودة لديهم.
يعتقد البعض أن القضية العدنية , قضية ثأر سياسي , ويغوص عميقا في الماضي للبحث عن مبررات ذلك الثأر , ويجتهد أكثر في اتهام وتخوين من يحاول تصحيح مفهوم القضية.
ما زالت عقلية الثأر السياسي , تعيش فترة الصراعات والانقلابات والنكسات والشعارات والانشقاقات والحروب والدماء , وهي تجسيد لعقل خال من المشروع الوطني , عقلية قابعة في مرحلة زمنية سوداوية , لا تعي مسار التاريخ السياسي والمضطرب والمتغير , ولا تستوعب دروس وعبر ماضيها الأليم .. تفرز كل ما فيها من قهر وكمد وثأر وانتقام لتطلخ المشهد السياسي بالمزيد , وفاقد الوعي ليس لديه اتجاه أو هدف واضح وموحد , حيث أدى ذلك لبروز مجموعة متشرذمة.
الثأر السياسي , والانتقام بأنواعه , مهما كانت المبررات والمسوغات , أيا كانت وفي أي وقت وتحت أية ظرف أو ضغوطات , كارثة على أي قضية وأي مشروع وطني أو إنساني , كارثة على الأمة , تدمر أهم أعمدة المشروع وهي عدالة القضية التي يحملها , وتجاربنا ما بعد الثورة خير مثال , وما وصلنا إليه اليوم نتيجة واضحة وجلية.
ثقافة الثأر والانتقام , وخطاب الغل والتحريض ضد قوى الكفاح المسلح , يشوش الصورة التاريخية لعدن , ويغذي أجيالنا بمعلومات خاطئة ومغالطات خطيرة , هو سرد سطحي للأحداث , دون تقييم علمي لتلك الأحداث , رؤية القضية فيما حدث من حرب أهلية ما بعد الثورة , من منطلق اتهام طرف على حساب طرف , حيث وصل بالبعض لاتهام الثورة , والحقيقة أن القومية والتحرير شركاء الكفاح المسلح ,وهم جزء من الحالة الصحية لمخاض التنوع الفكري الذي عاشته عدن , وما حدث من حرب كان وراه مؤامرة , استهدف هذا التنوع , وأراد المستعمر أن يترك عدن بشرط تدمير مقوماتها الفكرية والثقافية والسياسية , الكفيلة بتدمير المقومات الاقتصادية , بعد اقصيت جبهة التحرير , بدأت تصفية الجبهة القومية , وتم الفرز ليحكم الجنوب بعض الشباب الطائش حسب اعترافهم.
الاستمرار في اتهام الفكر القومي , أو اتهام الفكر التحرري , هو استمرار للفتنة والمؤامرة بوعي أو بدون وعي , هو رفض التكتلات الفكرية ( الأحزاب ) كأدوات تنمية سياسية , نحتاج أن نعزز من دورها , وإصلاح كيانها , وتقييم تجربتها , لتكن في مستوى التحديات , وقادرة على صناعة التحولات السياسية , من غير الأحزاب , سنجد تكتلات طائفية مناطقية جهوية , تكتلات ما قبل الدولة.
اليوم المكونات العدنية المنتشرة على المشهد غير مبنية على الأفكار , بل على المصالح وما يجمع أفرادها من ثأر وانتقام , والبعض القليل الذي يحاول أن يخوض مخاضا فكريا وثقافيا في مشهد مثخن بالصراع و ثقافة الكراهية , ويواجه عقليات لا تقبل التغيير ,أو حتى الحوار الفكري , لديها ثوابت عقيمة حول المولد والعائلة , المؤسس والمكون, غير آبهين بالانتماء والهوية , والتي من الغباء حصرها بالميلاد والعائلة , في مدينة كانت ملتقى الأعراق والثقافات و الأديان , هويتها كانت مدنية ,وهي هوية مبنية على الثقافة والفكر , حول مشروع نهضوي تحرري قومي عربي يمني.
كثيرا هي الحوارات العدنية , المثخنة بالمولد والعائلة , والمؤسس والمكون , والمفرغة من أفكار منارة عدن كمشروع نهضوي راقي , انساني تحرري , حوارات ينتهي مفعولها بعد أن يغادر أصحابها طاولة الحوار , حيث لا أفكار حية ومتجددة تستدعي العقل لينشغل في دراستها وفهمها , والتشوق لنتائجها.
لن نتوحد إلا إذا غادرنا صراعات الماضي وثأراته , وعدنا لتاريخ وإرث عدن كمنارة فكرية وثقافية , ومخاضها السياسي والفكري والنقابي , ونستلهم منها أفكار النهضة والرقي , ومشروعنا الوطني العربي الكبير , مشروع محمد علي لقمان و عبد الله باذيب , وغيرهما من قامات عدن , لنكن بمستوى عدن والدعم السخي الذي قدمته لثورة 48 وثورتي سبتمبر وأكتوبر.
نستلهم ونصيغ وثيقتنا الفكرية والنظرية , من أخلاق وثقافة وفكر المدينة عدن , من إرث عدن السياسي والثقافي والاجتماعي والمدني , بعيدا عن المولد والعائلة ومناصب مكونات التشرذم التي على الساحة اليوم.
المقال خاص بالمهرية نت