آخر الأخبار

محمد صالح عزاني وأحمد بو مهدي .. ثنائية اللحظة الصاخبة !!

السبت, 10 يونيو, 2023

حينما أعود إلى أغاني الفنان الراحل محمد صالح عزاني (940- 1980) تقفز إلى بالي سنوات عقد السبعينات العدنية بكل صخبها، فقد مثل هذا الفنان اختزالاً حقيقياً لروحها وعبَّر عنها بكثير من الحساسية الطربية بمنحاها الثقافي الخالص.

وتعد تجربته المميزة استخلاصاً رفيعاً لمدرسة الغناء الجديدة في عدن، ومحيطها خلال عقدي الخمسينات والستينات، ومثّل الكثير من الفنانين العصاميين الذين بدأوا من الصفر تقريباً صار الفنان والملحن العزاني أحد النجوم البارزين الذي أنزل الأغنية من عليائها ونخبويتها وانقسامها المديني إلى مستوى التلقي الشعبي بكل فئاته، وكان في ذلك بحاجة إلى شاعر يستطيع الاستثمار الفاعل في إمكانية الفنان الصوتية والموسيقية، فكان أحمد رحيم بومهدي (1936- 1997) الشاعر والباحث المجتهد الذي شكل مع العزاني ثنائياً مهماً رغم التمايزات الثقافية والجغرافية التي انتمى إليها الشاعر والمطرب، فالأول سواحلي من الشحر في ساحل حضرموت، والثاني بجذره البدوي عزاني من صحارى شبوة التاريخية، غير أن عدن صهرت الإثنين معاً في وحدة واحدة لتنتج هذه الصورة المختلفة، لهذا سيقوم الثاني بعد عقد كامل من رحيل الأول بإنجاز كتاب مهم عن هذه العلاقة الفنية، وتقديم صورة مقربة عنه، كان يجهلها الكثيرون.

مجمل الأغاني التي كتب كلماتها بو مهدي للعزاني غطت خصوصيات ثقافية تتصل بالمساحات الصحراوية والفلاحية والمدنية أيضاً من حضرموت وشبوة وأبين وحتى لحج، وقبل ذلك الخصوصية العدنية ذاتها..

يقول الفنان والباحث الموسيقي عصام خليدي عن الفنان العزاني:
"كان يمتلك صوتاً جميلاً عذباً أخاذاً ممزوجاً بخليط من المشاعر والأحاسيس والانفعالات الإنسانية والفنية وكان من الفنانين القلائل الذين يتمتعون بحضور إبداعي (غنائي مســرحـي فنــي) قوي ومؤثر على كافة المستويات في توصيل الأغنية فيصل في كثير من الأحيان الى (حالة من التوحد الوجداني و الإبداعي) مع المستمع والمتلقي لأعماله وأغانيه (فينصهرا) ليشكلا معاً مشهداً غنائياً منسجماً متناغماً قوامه الصدق في ملامح وتعابير ونبرات صوته وقوة وسلامة مخارج الألفاظ التي تمكنه من إقناع كل من يستمع إليه بأنه بالفعل يعاني من (حالة إنسانية ما وجدت في سياق ومضمون النص الغنائي الذي يتعاطاه)، وله حُليات صوتية حباه الله بها في غاية العذوبة والسلاسة والوضوح تمكنه من القيام بعملية أشبه ما يمكن أن نطلق عليها (عملية تنويم مغناطيسي) يصل إليها في دروة أدائه لأغنياته الرائعة مع المستمع والمتلقي الذي يجد نفسه لا يستطيع أن ينصرف بعينيه وبأذنيه عن متابعة أدائه الساحر".

من القصائد التي لحنها وغناها العزاني للشاعر أحمد بومهدي وحققت حضوراً سماعياً ولم تزل حت اليوم قصيدة (يا أهل ذا الساكن) التي كتبت بلهجة خليطة من ألسنة أهل لحج وأبين ويقول فيها:
يا أهل ذا الساكن
أباكم تدلوني
على مطرح المحبوب
شعوني غريب
(**)
أبا اشوف ذا الفاتن
لعله يُنسِّيني
ليالي ونا مغلوب
حليف النحيب
(**)
في مهجته ساكن
وكيف ينسيني
واسمي معه مكتوب
بأني حبيب
(**)
شعوني أنا واكن
 ألا لا تلوموني
أحبه ولا با توب
 من الله نصيب.

واضح الاستلهام التاريخي في النص بتصوير الباحث عن محبوبه في الديار الغريبة، وتقفز إلى البال في هذا المنحى قصيدة قيس ابن الملوح (أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى)، ويمكن قياس ذلك على أغنية ( شلني يا دريول) التي كان لظهورها الأول مطلع السبعينات وقعها الخاص في مساحة التذوق الغنائي، وهي الأخرى  تحفر في موضوع البحث عن المحبوب هناك في  صعيد شبوة:
شلَّني يا (دريول) تجمَّل
حطَّني في سفال الصفية
بس قصدي ابا شوف واحد
دوب وياه على حسن نية
شلني لنت حتى محمَّل
لا تواعد وتكذب عليّه
شف حبيبي على نار قاعد
لا سمع  (هوِّن) شاور عليّه
جبت له كل غالي معمَّل
ذي كتب لي يباها هدية
لو يقع لي ولا تشلّ واحد
خلّنا اليوم نضوي عشيَّة.

طيلة فترة السبعينيات بقيت أغنية "ألا يا طير يا لخضر" ايقونة يُرقص عليها في الافراح ويدندن بها في السمرات، وحتي الاستماع إليها اليوم يضعها في ذات المكانة التي كانتها حين انتجها الصوت واللحن العبقري الراقص، الذي استلهم من تراث لحج ايقاعاتها:
الا يا طير يا لخضر
 فين بلقاك الليله
أنا ما باك توعدني
وتنسى وعدي الليله
(**)
متى بلقاك با نسمر
الا يا غصن من بانه
وبالألحان با غني
وانت بتقول وادانه
(**)
 وذي الأيام با تعبر
وليه الصد ما شانه
ولا تعتب على قلبي
ذكر أهله وخلانه
(**)
 الا يا مسك يا عنبر
عيوني دوب سهرانه
اذا قد جيت لا عندي
يودِّع قلبي أحزانه.

أغنية "دعوني.. دعوني" ثمرة اخرى  مختلفة للتعاون بين الفنان والشاعر
دعوني .. دعوني
حِبّ محبوبي ولا تمنعوني
كيف با سيبه وذا القلب ولهان
به غصين البان.
(**)
كما الظبي مشيه
من طيالي مرَّ سلم عليه
وابتسم من صدق منه وإيمان
ذا غصين البان.

هناك أغنية عذبة، أداها العزاني للشاعر، وقدمته كملحن مجدد، بعد أن صار يعتمد على موهبته التلحينية بعيداً عن الملحنين الذين ارتبط بهم في بداية حياته أمثال (المرشدي وعطروش والمحسني وفيصل عبد العزيز) وتقول بعض كلماتها:
ظن أني نسيته بعد ذي الغيبة الطويلة
كيف بنساه ولي وياه قصة ألف ليلة
كيف بنساه ونا والطيف نسمر كل ليلة
مره أحكي له ويحكي لي ليالينا الجميلة

الأنشودة الوطنية المعروفة بـ( بلادي)، تصير في مدونة هذا الثنائي خلاصة انشغالهما بالهم الوطني، وتشير بوضوح إلى الحساسية التلحينية الرفيعة للعزاني:
بلادي إلى المجد هيا انهضي
وسيري بعزم الشباب الأبي
بدأنا كفاح البنا فاهنأي
لينعم شعبي بعيش هني.
فدينك أيام حمل السلاح
وسار الفدائي على مبدأي.

وبعيداً عن هذه الثنائية فقد غنى العزاني للعديد من الشعراء ومنهم حسين عبد الباري  رائعته (فين التقينا)
فين التقينا وشفتك فين
وفين جلسنا سوى يا زين
ذكرني فين شفتك
يا زين وقابلتك
بالله تقولي التقينا فين؟
(**)
تذكرت لقيانا يلي غرامك زاد
لما تلاقينا
صدفة بلا ميعاد
وقلت لي كلمة
مصحوبة بالبسمة
والجو خالي من الحساد
من كان معانا
غير النجوم تشهد
ومن كمانا؟
والخد فوق الخد
كم غارت الرملة
من رنة القُبلة
قبلة جميلة
بكف اليد.

ولأحمد الجابري غنى رائعته "ناقش الحنًّا" التي لم تزل احدى أغاني الأفراح الأثيرة الراقصة حتى اليوم وتقول بعض كلماتها:
شفت ناقش الحنا يا بوي من فنه
طاير من الجنة محلى نقشة الحنا
سبحان من صور كأنه قمر نوَّر
لو غاب با تحسر محلى نقشة الحنا
خضر ﺯﺭﻉ ﻭﺍﺩﻳﻨﺎ ﻭأريع ﻭﺳﻠﻴﻨﺎ
ﺷﻒ ﻟﻘﻴﺎﻙ ﻳﺤﻴﻨﺎ ﻣﺤﻠﻰ ﻧﻘﺸة ﺍﻟﺤﻨﺎ

وغنى ايضاً لعمر عبدالله نسير من ألحان العطروش بعض أغان في بداية مشواره مثل: (أنا وهو انظلمنا)، و(تسألني كيف الحال).

بدورة غنَّى ولحّن للشاعر أبو مهدي عديد فنانين منهم محمد مرشد ناجي في رائعته ( لقيت يا أماه ذي سالت دموعي عليه)، وعوض المسلمي ( هب لك) وكرامة مرسال(ما عرفنا لك قياس)، ومحمد محسن عطروش (برضك حبيبي)  وفتحية الصغيرة ( ربنا با يصلح الشأن)، وعوض أحمد ( يا سعد قلبين)،  وعبد الكريم توفيق ( كيف يصفا لك) وعصام خليدي (منتظر لك، واعشق وصالك وغيرهما ) ونجيب سعيد ثابت( يخلف الميعاد، زهرة الجُلاَّس) وأنور مبارك ( اطمئن أنت حبيبي) ونوال حسين ( الحلو يتمخطر، وتقول لي إننا غلطان) وفضل كريدي(مشتاق لك) وغيرهم من المطربين.

(*) المهرية نت

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023