آخر الأخبار

كانت حلماً قبل أن تكون هروباً فمشكلة مستعصية !!

الأحد, 21 مايو, 2023

ثلث قرن مضت على قيام الجمهورية اليمنية الموحدة. جرت خلال سنوات عمرها الثلاث والثلاثين مياه كثيرة، غير أن أغزرها كانت مياه الانقسام العكرة ،التي بدأت من تباينات شريكي الحكم وافضت إلى حرب 1994م، التي تراكمت عليها اشد المظلومات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تاريخ اليمن المعاصر, ولم تزل تسحب نفسها علي المشهد العام الذي تعصف به الحرب والفوضى ومشاريع التفكيك والتقويض.
قبل أن يكون الذهاب إلى الوحدة الاندماجية الفورية في 22 مايو 1990- بدون تخطيط مثل الأخذ بأفضلية التجربتين السياستين في شمال اليمن وجنوبها- هروباً من مآزق شتى تحيط بالنظامين، كما تجي في كثير من القراءات، كانت الوحدة هي حلم القوى الوطنية اليمنية المعاصرة منذ  أواسط  خمسينيات القرن الماضي، مع بروز خطاب التيار القومي بعد ثورة يوليو المصرية، وما شهده العالم أيضاً من تغيرات سياسية عاصفة بعد الحرب العالمية الثانية, قادت إلى ولادة جمهوريات جديدة في كثير من دول المنطقة بعد حقبة الاستعمار.


في نضالها ضد سلطة الاستعمار البريطاني في مدينة عدن تكتلت النقابات العمالية والمهنية ، التي كانت تظم أعضاء من يمن الداخل ومناطق المحميات ومدينة عدن نفسها، في جبهة وطنية متحدة لمقاطعة وافشال انتخابات المجلس التشريعي في مسعى لاسترداد حق المواطن اليمني في الترشح والانتخاب، بعد أن استثنتهم قوانين الانتخاب من ذلك.. رفعت الجبهة أول مرة شعارات يمنية  واضحة، مقابل الشعارات الانعزالية التي رفعتها بعض القوى السياسية المرتبطة بسلطة الاستعمار.


متسارعات ما بعد حرب السويس في 1956، ثم خطوات الوحدة المصرية السورية  1958، قوَّت من خطاب الحركة القومية التي تتخذ من شعارات الوحدة العربية  منطلقاً استقطابياً، في وقت كانت الاحزاب والاتجاهات القومية  وكذا أحزاب اليسار تنشط في أوساط الطلاب اليمنين في القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد وإلى حد أقل في موسكو وبعض العواصم الأخرى التي تواجد بها القليل من الطلاب وقتها ، قبل أن ينفتح الباب واسعاً أمامهم بعد ذلك. ومعها تشكلت الأحزاب السياسية ( البعث وحركة القوميين العرب) كفروع للمراكز الرئيسة في بيروت ودمشق والقاهرة .


قامت ثورة سبتمبر ورفعت شعارات وحدوية واضحة، ومع انطلاق حركة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني الذي تبنته الجبهة القومية كانت الوحدة واحدة من بنود ميثاقها.. اتخاذ الثوريون لمدن مثل تعز القريبة مركزاً نشطاً، وقبل ذلك استحداث وزارات ومكاتب لشئون الجنوب اليمني المحتل في حكومات الثورة كان تعبيراً عن هذا التوجه.


تزامن استقلال الجنوب أواخر نوفمبر 1967م مع تولي سلطة انقلاب 5 نوفمبر الحكم في الشمال خلق الهوة الأولى في مسألة توحيد شطري اليمن، وبسبب التناقضات الرئيسية في بنية السلطتين وولاؤهما السياسيين وحتى استخدامهما في ظروف الحرب الباردة، قاد إلى حربين داميتين الأولى في صيف 1972م وافضت إلى توقيع اتفاقية القاهرة بين رئيسي وزراء الشطرين أواخر اكتوبر 1972 ،ثم بيان طرابلس بين رئيسي الشطرين في أواخر نوفمبر 1972، وافضت إلى تشكيل لجان وحدوية ، تنشط وتهمد تبعاً لحالة العلاقة بين صنعاء وعدن.


كان لتصفية الرئيس الحمدي عشية سفره إلى عدن في اكتوبر 1977م ، ثم هروب الكثير من اتباع عبدالله عبد العالم بعد أحداث الحجرية إليها أيضاً في 1978، ثم تصفية الرئيس سالم ربيع علي بعد ذلك بأسابيع قليلة تداعياتها في استدعاء الحرب الثانية في فبراير 1979م بين الشطرين، وكانت هذه المرة دولة الكويت هي الإطفائية النزيهة برعايتها اتفاقاً جديداً بين رئيسي الشطرين عبد الفتاح اسماعيل وعلي عبدالله صالح في مارس من ذات العام، أكد على تنشيط  عمل لجان الوحدة، وعلى رأسها اللجنة الدستورية المناط بها انجاز دستور دولة الوحدة،  وهو ما تم فعلاً حين استكملت اللجنة التوقيع على مشروع الدستور في30 ديسمبر 1981 ، بعد قرابة عامين من إزاحة الرئيس عبد الفتاح، وتولي علي ناصر كل المقاليد، حيث شهدت السنوات الست من حكمه ( ابريل 1980- يناير 1986) تقاربات وانفتاحات سياسية مع احتكار للسلطة، قادت بدورها إلى الانفجار الكبير في 13 يناير.


بعد يناير جاءت كارثة "مفاعل تشرنوبل" السوفييتية التي فتح العين واسعة على وضع الدولة السوفيتية وما لحقها من عملية هيكلة في الكيان الشائخ في عملية عرفت سياسياً بـ (البيريسترويكا) افضت تالياً إلى تفكك أهم معسكرات الاستقطاب في العالم، فانعكس الحدثان على حالة الحكم في جنوب اليمن ،وهو ما  يعتقده الكثيرون  السبب المباشر في الهروب إلى الوحدة بقبول قيادته بالوحدة الاندماجية بدلاً عن المعروض الفيدرالي.


لم تمض غير سبعين يوماً من اعلانها، حتى جاء الكارثة الكبرى بغزو نظام صدام لدولة الكويت في مطلع أغسطس 1990، فبدأت أولى محن الدولة الوليدة الاقتصادية بعودة قرابة مليون مغترب ومهاجر من دول الجوار، تسبقهم وعود سائلة من رأس النظام تواشجت مع انهمارات عاطفية وأحلام غير مرَّشدة، ظنت أن الجنة الموعدة قد فتحت أبوابها على الأرض الموحدة ، وستكافئهم على صبرهم الطويل وعلى مرارات الشتات
التباينات الكبيرة بين النظامين وعدم معالجة الكثير من المشكلات، وما رافق ذلك من شهوة الابتلاع التي تعاظمت داخل بنية تحالف سلطة المؤتمر الشعبي - بما فيها بعض القوى الجنوبية المتضررة من فترة الصراعات السابقة- إلى جانب عمليات التصفية الممنهجة للكوادر المدنية والعسكرية سرَّعت من الأزمة حتى صارت احتقاناً، فانفجاراً عسكرياً، برره الطرف المنتصر بأنه كان ضرورياً لحماية الوحدة من مخطط الانفصال الذي أعلنه نائب الرئيس في 21 مايو 1994م.


ترتب على نتيجة هذه الحرب تسريح الآف العسكريين والمدنيين وإحالة الكثير منهم لتقاعدات مبكرة، وتقاسمت المجال العام وبنية الدولة السابقة ومقدراتها ( مصانع ومعامل ومؤسسات خدمية وانتاجية ومزارع) مكونات التحالف (عسكر ومشايخ وقوى دينية)، ومن هنا تخلقت المظلومية التي لم يُنصت لأنينها، حين بدأت كمطالب لإصلاح مسار الوحدة، قبل أن تصير مطالب حقوقية عبَّرت عنها الاحتجاجات السلمية ابتداء من يناير 2007 فتعاملت معها أجهزة السلطة بقسوة، وحين صار سقف الإحتجاج مرتفعاً حاولت، السلطة، من خلال لجان الترقيع  وبخفة معالجة بعض المشكلات، غير أن الأمر كان قد تجاوز سيولة الوعود.


تحالف الحرب الداخلي (الصالحوثي) في اجتياحه الثاني لعدن في مارس 2015م نقل المشكلة  إلى نقطة مستعصية أكثر، زاد من استفحالها استدامة الحرب وتفكك الدولة، فصار مطلب الانفصال اليوم حالة قائمة تتغذى من الانقسام ومن مشاريع التقويض التي ترعاها دولتا تحالف الحرب الخارجي.




*المقال خاص بالمهرية نت* 

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023