ليست محافظة سقطرى الأعلى نسبة بين المحافظات اليمنية في استخدام الدراجات النارية لكنها قد تكون الأعلى نسبة في حوادث الدراجات النارية بحيث لا تخلو المشافي والمراكز الصحية على الدوام من شاب راقد في العناية وآخر في الترقيد وكذا البيوت تعج بالمكاسير وذوي الإعاقة جراء هذه الحوادث.


وصار الأمر مألوفا حتى أنهم أول ما يرون شابا يمشي على عكاز  يرجعون السبب فورا إلى حوادث الدراجات النارية، وقد تصادف أني وجدت أحد الشباب بعكازته ملفوفا على رجله الجبس، سألته عن سبب هذه الإعاقة هل هي من جراء الدراجات النارية؟ فضحك باستشفاء وقال ومن غيرها فقلت ولماذا تضحك؟ فقال أنت خامس واحد اليوم يتوقع دون أن أخبره أن سبب إعاقتي الدراجة النارية.. وهكذا في كل الأيام كلما قابلت أحدهم يتوقع سبب الإصابة من تلقاء نفسه حتى أني استحيت أن أخرج من بيتي ثم تنهد وقال جازى الله من كان السبب فقلت ومن السبب؟ قال أنا عندي في البيت سيارتان ما قدرت أحرك أي واحدة بسبب غلاء البترول لذلك لجأت إلى السيكل لم أتماد معه في الكلام كثيرا فقد كنت على عجل فدعوت له بالشفاء وذهبت عنه.

  كثيرة هي العوامل المتسببة في حوادث الدراجات النارية في محافظة سقطرى ومنها أولا: الطرق الوعرة وغير معبدة سواء في المدن أو في القرى والطرق العامة حتى في العاصمتين حديبوه وقلنسية حيث إن نسبة سفلتة الشوارع في حديبوه لا يتجاوز 30% وفي قلنسية لا يتعدى2% فليس هناك طريق أسفلتي في الشوارع الرئيسية والفرعية فيها غير الشارع العام.

وخلافا للطرق غير المعبدة فإن الخطوط الأسفلتية تعد الأكثر خطرا على السير كونها ضيقه وكثيرة الالتواء والتعرجات وتنتشر فيها كثير من الحفريات والمطبات.



ثانيا: انعدام دور السلطة في تعبيد الطرق والتقليل من مخاطرها فليس هناك أي دور يذكر في التقليل من هذه المخاطر حتى الحفريات التي تحدثها الأمطار والأتربة والأحجار التي تنقلها في وسط الطرق وحواشيها لا يتم إزالتها إلا بتطوع المواطنين أحيانا.


ثالثا: دور المرور وهو دور ينتج عن دور السلطة المحلية فقد انجر عدم اهتمام السلطة المحلية بحياة الناس والحفاظ على سلامتهم إلى المرور فلم يقوموا بأي دور يذكر في العاصمة حديبوه فضلا عن قيامهم بأي دور في أي منطقة أخرى فلا توجد هناك جولات ولا نقاط  مرورية.


وليس هناك رخص تصرف لقيادة الدرجات النارية ولا قوانين تقيدهم بسن معينة أو ظرف صحي معين، وليس هناك ضابط لحد السرعة ولا لحد الحمولة لهذه الدراجات، وليس غريبا أن ترى طفلا أو مجنونا أو معاقا أو سكرانا يقود دراجة نارية بسرعة جنونية وسط الشوارع يحمل معه ثلاثة وأحيانا أربعة من الركاب.. أضف إلى ذلك أن كثيرا من الدراجات مهترئة وغير مصونة خرجت عن صلاحيتها للاستخدام من دون زمن ولا توجد فيها أدنى معايير السلامة فلا يوجد فيها فرامل ولا إضاءة ولا حماية وغير ذلك من الأشياء الضرورية لسلامة ركابها .


وفضلا عن تعريض هؤلاء الشباب حياتهم للخطر وعدم قيام السلطة والمرور بواجبهم تجاه هذا الأمر، فإن هذه الدراجات تشكل خطرا على المارة الراجلين وعلى السيارات والمركبات، فهناك الكثير من الشيوخ والعجائز والأطفال فقدوا حياتهم جراء هذه الحوادث والبعض منهم ما زال يرقد في العناية والبعض رجع إلى بيته معاق أو طريح الفراش وما ينتج عن الدراجات النارية في المحافظة المهمشة سقطرى من مشكلات أمر مقلق وعصي على الحصر والمعالجة في ظل وجود سلطة تهتم بالقات والجبايات على حياة الناس وسلامتهم.


ولا بد مع الحديث عن حوادث الدراجات النارية من الإشارة إلى جهود الدكتور مراد الجكغستاني الذي قدم إلى سقطرى منذ ما يزيد على عشر سنوات ففضله كبير في جبر الكسور حتى دعي بجابر الكسور، فقد عمل لوحده في عمليات التجبير وبإمكانيات متواضعة جدا في بداية الأمر وكانت عملياته ناجحة أشادت بها كثير من المستشفيات في الداخل والخارج.


هذا الطبيب المتميز يعمل بصمت يكرس جل وقته في خدمة الناس ونظرا لكونه الطبيب الوحيد فإنه ليس من الغريب أن يستدعى في أوقات متأخرة من الليل وفي أوقات الراحة والأكل لإنقاذ حالة من الحالات الحرجة التي تفد إلى المستشفى.



وللدكتور مراد حكايات كثيرة مع الشباب الذين يعملون حوادث في الدراجات النارية يهزئهم ويكلمهم بغضب ويتعامل معهم أحيانا بقسوة، وعندما يتعافى الشباب لا ينسى أن يوصيه على سبيل التهكم والسخرية قائلا الآن اركب السيكل وبعدين فحط لا تمشي بعقل ومع أن عربيته مكسرة فإنه يمثل لهم أحيانا حركات التفحيط بالدراجات النارية والناس تضحك وبعض الشباب عمل حادث مرات والدكتور يجبره في كل مرة ويقول أنت ما في عقل أخيرا رفض يعمل عمليه حتى تعهدوا بعدم ركوبهم الدراجات النارية.



قبل أيام تمت مكافأة الدكتور مراد بطرده من عمله في مستشفى خليفة وإنهاء عقده فسافر إلى بلده دون أن تقدم له السلطة أية مكافئات وحتى شهادة التقدير بخلوا بها عيه فضلا عن وجود أي مكافأة مالية تذكر، وقد تحسر كثير من الأطباء والمواطنين على رحيل هذا الطبيب الانساني العظيم وشكره كثير من الناشطين في صفحاتهم، وقدموا له الشكر والعرفان.

المقال خاص بالمهرية نت