آخر الأخبار
عامٌ على مجلسٍ "مُلَفْلَفٍ" ضعيف !!
احتاجت السعودية قبل عام لتمثيلية سياسية لتشكيل مجلس قيادة رئاسي من أذرعها ووكلائها ووكلاء شريكتها دولة الامارات لتمرير مخطط اتضحت ملامحه التفكيكية لاحقاً ؛ وبواسطة ماكيناتها الاعلامية و ذبابها الطنان، بمن فيهم نخب منتفعون من عطاياها، عمدت إلى الترويج لهذا المجلس وبكثير من الوعود أقلها أنه سيكون حامل خلاص اليمنيين من جحيم الحرب واستعادة الدولة. ترافق تشكيل المجلس مع اطلاق الهدنة الأولى التي رعتها الأمم المتحدة في 2 ابريل 2022 بينها وبين الحوثيين، والتي لم تزل قائمة - رغم عدم تجديدها منذ مطلع اكتوبر الماضي، ويستغلها الحوثيون وإيران للابتزاز المكشوف -
قلت وقتها أن "اتفاق الهدنة المتزامن مع التغيرات في (مؤسسة الرئاسة) قد تم بهندسة دولية واقليمية، لمحاولة تهدئة الصراع في هذه البؤرة المنسية كنوع من تخفيف الضغط على الأسواق العالمية التي تعاني من نقص حاد في إمدادات الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت في انقطاع النفط والغاز الروسيين عن دول الاتحاد الأوروبي وبعض دول العالم بسبب قرارات المقاطعة التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا وبريطانيا بحق روسيا ، فكان لزاماً على السعودية أن تغطي هذه الفجوة. ولتنفيذ هذه العملية كان على الشركاء - من المتضررين الكبار- العمل على تهدئة بؤرة الصراع التي تورطت فيها الدولة النفطية الغنية، ولم تستطع حسم حربها، بعد أن انتقلت الحِمَم إلى خاصرتها الجنوبية، وصارت منشاءاتها البترولية في مرمى الصواريخ والمُسيَّرات الإيرانية، التي تصلها عبر وكيلها الحوثي، الذي ما فتئ يكبر ويتقوى يوماً بعد آخر، بسبب فساد إدارة ملف الحرب من قبل ضباط الشقيقة ووكلائها في الداخل، الذين وجدوا في استمرارها مناسبة لتعظيم مصالحهم".
لم تمض غير أشهر قليلة جداً حتى بدأت الخلافات تدب في بنية مجلس "مُلَفْلَفٍ" من جميع المتناقضات (بقايا نظام صالح وحزب الاصلاح والسلفيين والمجلس الانتقالي وحلفاء السعودية القبليين)، لتعكس الخلافات البينية العميقة بين الحليفين ( السعودية والامارات) على اقتسام النفوذ والموارد في الجغرافيا المتهتكة، التي عمل الحليفان على تفكيكها لصالح مشاريع مشبوهة لا علاقة لليمنيين بها .
الانقسام في المجلس صار اليوم أكبر من أي وقت مضي، وينقل بكل وضوح حالة التناقض المريع في جبهة الحلفاء؛ فقبل إزاحة الرئيس عبد ربه منصور هادي، شنت القوى القريبة من السعودية والإمارات حملات منظمة ضد الرئيس وطاقمه وحملوهم كل تبعات الفشل في إدارة الحرب والمناطق المحررة والاقتصاد و برأت ،في طروحاتها، ساحة التحالف من تسببه بهذا الفشل، فصار الملعب مهيأ تماماً لإنتاج شكل هلامي (تحت مسمى سلطة) من أذرع التحالف المسيطرة على الأرض بالإضافة إلى المكونات الفاسدة في بنية الشرعية، والتي اعيد غربلتها تحت مسميات مختلفة.
التهى اليمنيون ، أولاً، بالوعود التي سيقت من تشكيل المجلس، ومن ثم في الخلافات التي استشرت، وانعكست في إعادة ترسيم جغرافية المناطق الملتهبة بحدود شطرية واضحة، خصوصاً بعد أحداث شبوة في اغسطس 2022 والتي أفضت إلى تسليم المحافظة للقوى القريبة من الإمارات مقابل حشر الإصلاح وحلفائه بمأرب المنقسمة .. في هذا الوقت كانت السعودية تمضي منفردة في انجاز تفاهمات غير معلنة مع الحوثيين وراعي الحركة إيران ، وبغطاء الضامن واللاعب الرئيس سلطنة عمان، بعيداً عن المجلس وحكومته الغارقة في الفساد والانقسام، واللذان سيكونان شاهدا زور في التوقيع على تسوية محاصصة يُرتب لها على قدم وساق، وبدأت عملياً بما تم تداوله منذ يومين أن خالد بن سلمان ( مسؤول الملف اليمني) سلّم مجلس القيادة ملخَّصا يتضمن رؤية المملكة لإحلال السلام في اليمن، بناءً على التفاهمات مع الحوثيين في مسقط.
المتوقع من هذه التفاهمات أنه سيعاد بواسطتها ترتيب الخارطة السياسية للبلاد: بتسليم شمال اليمن الحيوي وغربه ووسطه لإيران بواسطة الوكيل الحصري الحوثي، والذي لن يقبل باقل من السيطرة المطلقة وبقوة السلاح على مفاصل السلطة فيها ، طالما وان خصومه في الجبهة المقابلة ليسوا اكثر من أدوات ض عيفة صنعتها الجارة، والتي قدمت ولم تزل تقدم لإيران ومخلبها الكثير من التنازلات في مسعى الحفاظ على أمنها القومي المُهدَد على الدوام من خاصرتها الجنوبية الرخوة؛ حتى وإن بدا الاتفاق الذي رعته الصين في فبراير الماضي بين الخصمين الاقليميين هو الغطاء السياسي والأمني لذلك. وبالمقابل سيُترك الجنوب اليمني وشرقه غنيمة لبقية الأطراف المتنافسة على السلطة والثروة، طالما وأن حافزات الحامل السياسي لمشروع استعادة الدولة تصطدم بمشاريع جهوية ضيقة، عظمتها مسارات التناقض المناطقي الحاد.
لنتخيل صورة كل القوى والمكونات السياسية المنقسمة بشكلها التابع الذليل للجارة المتحكمة المطلقة بكل القرارات، وبمقابل ذلك صورة الجارة ذاتها وهي تقدم التنازل تلو الاخر لميليشيا أنفقت مليارات الدولارات على حربها في ثمانية أعوام، فوجدت نفسها غارقة في حفرة امتصاصية لا قعر لها بسبب فساد أدواتها وسوء تدبيرها وتخطيطها. هي اليوم تظهر بصورة متهتكة بائسة، وأدواتها أكثر بؤساً وشفقة، خصوصاً حين تلوك الوعود والشعارات الفارغة التي لم تعد تنطلي على أحد، فيما يتصل بالسيادة واستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب!!
تعيد الجارة اليوم لملمة المجلس في اجتماع طارئ في الرياض، لتدارك ما يمكن تداركه من (تنصيع) صورته المتهتكة، وعلى راسها تمرير قرارات من شانها امتصاص احتقان المكونات بداخله من جهة ، وتخدير الشارع من جديد بإجراء بعض التغيرات الحكومية وربما هيكلة المجلس ايضاً, ولن يكون الأمر مستبعداً عن تمرير الطبخة الكبرى عن طريقه والمتصلة بتفاهماتها الأخيرة مع الحوثيين، والتي قد تصير تسوية في المدى القريب، يستنفع منها رعاة الحرب ووكلائهم المحليين ويدفع ثمنها اليمنيون الذين لن يطالوا سلاماً دائماً، ولن يبصروا دولة متماسكة تحافظ على سيادة البلاد ومنع انزلاقها إلى حالة "التذرر" المريع.