آخر الأخبار

مسيرة حياة طائر السعيدوه مع الإنسان السقطري

الخميس, 16 فبراير, 2023

السعيدوه أو الرخام المصري أو النسر المصري أو الصقر الأبيض، تسميات تطلق كلها على هذا الطائر المتواجد في سقطرى بكثرة منذ مئات السنين، أو منذ أوجد الإنسان في سقطرى، وجد هذا الطائر بجانبه يشاركه حياته في البادية والمدينة وفي حله وترحاله؛ وقد اكتشف السقطري أن لهذا الطائر فوائد عدة تساعده على التعايش مع البيئة وتعاونه على ظروف حياته المختلفة، ومن طرق هذه المساعدة أنه يكتشف له ما ضاع من حيواناته، فإذا ما مات حيوان معين دل عليه السعيدو، وكذلك حين يمرض أو يعلق في شيء ما تنتظر السعيدو موته وتحوم حوله، وكذلك عند ولادات المواشي، فإن أول من يدل عليها السعيدو وكثير ما تعرف الناس بالولائم والأفراح والأتراح. 
 

فإذا أقيمت وليمة في منطقة معينة أو حفل حامت في جو المنطقة أسراب كثيرة من السعيدو، وبذلك توفر السعيدو على الناس الكثير من جهد البحث في المناطق الشاسعة والمناطق الكثيفة بالشجر وتعرفهم بما حولهم من أخبار المناطق والقرى المجاورة، ونظرا لهذه الفوائد العديدة التي تميز بها هذا الطائر فقد أحبه الإنسان السقطري واعتبره رفيق الدرب، واهتم به وحرم الاعتداء عليه، ومنع الأطفال من رميها بالحجارة، واخترع الكثير من القصص والأساطير التي تجنب الناس الاعتداء عليه. 

 فقد حكوا أن له سبعين نفسا تأتي المعتدي عليه في الليل وثبات فوق رأسه تسأله عن سبب الاعتداء عليها، كما قالوا أيضا أن نفسها تأتي قاتلها وتقف أمامه دوما في كل ليلة وزعموا أن فيها نفسا شيطانية تجعل من المعتدي عليها مجنون وكل هذه القصص وغيرها لصرف الناس من الاعتداء عليه. 


وفضلا عما انطبع في أذهان الناس من كون السعيدو طائر يهتم بالفضلات والجيف فقط، فإن له فوائد عدة منها أن له ريشة طويلة تسقط عند وصوله عمرا معينا يستخدم قلما للكتابة، كما أنه يمتاز بالقوة الهائلة التي قد تفوق غيره من الطيور، فهو في حقيقته صقر، وربما أقوى من الصقر حيث بنيته أقوى وأجنحته أقوى وله منقار طويل ومخالب حادة بل وتهابه جميع الطيور، فما أن يحط على شيء تبتعد عنه باقي الطيور، وما أن يلحق في الجو حتى يصير ملك الجو حتى الصقر لا يقرب ناحيته وفي سرعته وحركته وارتفاعه في كل ذلك يفوق كافة الطيور ويتضح ذلك حين يتصارع طائران من السيعدو في الجو فيصير صراعها كأنه مناورة طائرات حربية تصدر أصواتا وهبوبا قوية وحين ينزل طائر السعيدو على الأشجار والأسوار وسقوف البيوت الطينية تصدر هزة خلافا لغيره من الطيور بما فيها الصقر ويذكر أن معدته قوية جدا حيث يبتلع أحجاما كبيرة من العظام وعظام المفاصل ويمرطها إلى بطنه فتطحنها المعدة حتى يصير فتاتا.

ومع هذه الامتيازات والقوى التي منحها له القدر فإنه لا يستطيع اصطياد حمامة ومهما بلغ به الجوع فإنه يفضل البحث عن الجيف والفضلات والأشياء العتيقة ويجتهد في الحصول على ما يسد جوعه وللقدر حكمة في عطائه ومنعه فليس مهما وجود القوة وأدواته بل المهم القدرة على استخدمها والأذن والتوفيق فيها فقد منح السعيدوه هذه القوة ولم يمنح استخدامها وهذه رحمة الله بالناس فلو ترك المجال لهذا الطائر ما ترك للناس شاة ولا طفلا.
 ونظرا لسلميته هذه على الرغم من امتلاكه كل هذه الامتيازات والقوى لم تجعل من السعيدو طائرا مهابا عند الناس، بل على العكس من ذلك ارتبط ذكره بالعديد من الأقوال والأمثال والحكم التي تبرز الجانب السلبي له، فكثير ما يشبهون المرأة الغافلة الساهية بالسوعيدة كما يقال لمن يكثر الكلام أو الضحك( يضحضح توؤه سوعيده) أي يصدر أصواتا مثل السوعيده، وإذا أراد أحدهم تنبيه الآخر قال: دشو أو هوش وهي أصوات يهش بها هذا الطائر.



وحقيقة فالأقوال كثيرة، وهم بذلك لا ينتقصون من السوعيده بل يجعلونه مضربا للمثل فيمن منح القوة ولم يستخدمها وكأنهم يوقظون فيمن تلقي عليهم مثل تلك العبارات مكامن القوة ويحفزونه لأجل استخدامها. 

  حديثا تطور الاهتمام بهذا الطائر، وفق  السابق كان كثيرا من السقاطرة يتحرجون حتى من تصوير السوعيده ويعد من المنقصة إذا ما شبهت أحدهم بالسوعيده، ومن المقرف ذكرها عموما أو التقرب منها ولمسها، ولكن اليوم صار لهذا الطائر شأنا عظيما وصار الإعلاميون والكتاب يتسابقون للحصول على أبهى صورة له ويزينون بها صفحاتهم.


هذا الاهتمام نتج من اهتمام الوفود إلى سقطرى الذين أنتجوا كما هائلا من الصور لهذا الطائر، فقد رصدت له صور فوق ماسورة الذبابة وفوق البقر والجمال والحمير وفي الجو وعلى الأشجار بهيئات مختلفة وصار نبراسا وواجهة لسقطرى وهذا ما جعل منه طائر حضاري بلغ العالم وبقي رفيقه الإنسان يصارع قسوة حياته البدوية.


  مؤخرا انتشرت صور لطائر السعيدو في إحدى مولات أبو ظبي الراقية مربوطا على حديدة ذهبية الألوان، ينظر يمنة ويسره في جموع الناس المتجمهرين حوله كأنه في حلم أو في اندهاش يتساءل عن بيئته وظروف حياته التي تعود عليها، وعن سبب قدومه وكيفيته، والسبيل إلى عودته وكل ذلك ليس له السبيل إلى معرفته.

    المقال خاص بالمهرية نت   

يا كوت يا رنبص!
السبت, 24 فبراير, 2024