آخر الأخبار

كأس العالم وكرة القدم .. بعض شجون

الأحد, 06 نوفمبر, 2022

أنا شغوف بمتابعة أخبار كرة القدم وبعض الرياضات الأخرى منذ كنت طفلاً في مدينة تعز، وبقيت احتفظ بالكثير من أعداد المجلات الرياضية المعروفة (الصقر القطرية والرياضي الكويتية) في بداية عقد الثمانينات حتى منتصفه، حتى أن المطبوع الرياضي هو الذي فتح الباب واسعاً أمامي لاحقاً للدلوف إلى عوالم الثقافة والسياسة في قصة طريفة رويتها في أكثر من مناسبة وأعيد هنا التذكير بها :

"في مساء صيفي من العام 1983م، بقيت أتردد على مكتبة الوعي الثوري في شارع 26 سبتمبر منذ دخول العصر، بعد إعلامي أن الصحف المصرية وصلت، وستُوزع في أي وقت من مساء ذات اليوم، وفعلًا وصلت الجرائد في وقت متأخر قبل إغلاق المكتبة بقليل، ومن كثر استعجالي أخذت الصحيفة بعنوانها الأحمر، ثم صعدت مستعجلاً من الزقاق المظلم، للحاق بموعد العشاء، وحينما اختليت إلى فراشي في الغرفة السفلية لمطالعة الصحيفة، اكتشفت أنّي حملت معي صحيفة عريضة ملطخة بالحبر ليس بها أخبار رياضية، وبها أخبار سياسية كثيرة، أذكر منها خبراً بارزاً عن فعاليات ونشاطات سياسية للنقابات المصرية ضد التطبيع، وأخباراً أخرى عن نشاطات رئيس الحزب، ومواد طويلة أخرى، وكان للرياضة نصف صفحة داخلية بائسة، بها أخبار عادية وهامشية، حدقت مليّاً في اسم الصحيفة، كان اسمها 'الأهالي' بعنوانها الأحمر بدلًا عن صحيفة 'الأهلي'، التي يأخذ اسمها في الترويسة اللون الأحمر نفسه، التي كنت أقصدها في الاستعارة العجلى.

لم يكن باستطاعتي العودة مرّة أخرى إلى المكتبة، التي كان موعد إغلاقها قد تم من وقت طويل، فبدأت أقرأ الأخبار القصيرة، ومطالعة الإعلانات للتسلية، لكنّي وجدت نفسي مندمجاً بقراءة موضوعات وأخبار غير قصيرة، عن الحرب الباردة، ومؤامرة أمريكا على كوبا، وحين صحوت صباحاً، وقبل إرجاعها، استكملت مسحها من الصفحة الأولى إلى الأخيرة. صحيح أن الموضوعات بعناوينها كانت فوق مدركاتي الصغيرة، لكنّي بدأت بالانجذاب إليها، وشعرت معها أنّي قريب من خطابها، لهذا صِرت أتابعها من وقت لآخر، وإن كان شغفي بالرياضة وأخبارها لم يزلْ مقدّماً على ما سواها من اهتمامات".

كان أكثر ما يبهرني من المتابعات هو تاريخ كأس العالم بإحصاءاته المتعددة ( لاعبون وأهداف ومنتخبات وملاعب) منذ أول بطولة احتضنتها الأرجواي في العام 1930 حتى البطولة الثانية  والعشرين والتي تستضيفها دولة قطر على مدى شهر كامل بين 20 نوفمبر- 18 ديسمبر 2022،على ثمانية ملاعب في منتهى الجمال.

بدأت متابعتي الفعلية لأخبار بطولات الكأس منذ كنت طفلاً في الثانية عشرة ، وتحديداً في بطولة الأرجنتين في العام 1978م، التي شارك فيها المنتخب التونسي لأول مرة  بنجومه الكبار طارق دياب وعلي الكعبي وبن عزيزة والعقربي وغيرهم.

بعده بقليل بدأ نجم اسطورة الارجنتين ديغو ارماندو ماردونا بالسطوع، فكان بالنسبة لجيلنا ايقونة حية، والخلفية الثقافية والاجتماعية التي اتى منها كانت ترفعه إلى مصاف العظماء فهو ابن لأسرة فقيرة مكونة من ثمانية اطفال، وأب يعمل في مهنة البناء، ، وإنه حينما تحصل على كرة قدم وهو في الثالثة من أحد أبناء عمومته بقى لستة اشهر كاملة ينام وهي تحت ملابسه خوفاً من سرقتها ،وأنه  صار يلعب لناد معروف في الأرجنتين والعالم بأنه نادي الفقراء ، فريق (بوكا جونيورز)، ,وقد استبعد من قائمة المنتخب الأرجنتيني الفائز بكأس العالم على ارضه في 1978 بسبب قصره وصغر سنه، لكنه بعد عام واحد فقط ( 1979) سيبهر العالم بقيادته للمنتخب الأرجنتيني الشاب للفوز ببطولة العالم للمنتخبات الشابة في اليابان.

في بطولة اسبانيا 1982م وبسبب الضغوط الكبيرة عليه لم يقدم المستوى المطلوب في صفوف المنتخب الأول، لكنه في فترة نضجه في العام 1986م، قاد المنتخب الأرجنتيني للفوز بكاس العالم في الأراضي المكسيكية، بعدما قدم مستوى خارق في هذه البطولة التي سميت باسمه. وفي مونديال ايطاليا  1990م سيقود الارجنتين إلى المباراة النهائية ، لكنه سيبكي بكاء مراً بعد خسارتهم أمام الألمان، وفي 94 سيودع البطولة من بابها الأضيق بعد توقيفه بتهمة تناول المنشطات.

 ماردونا أيقونة أبناء جيلنا ، ومنحه الجمهور لقب اعظم لاعب في القرن العشرين بتصويت الفيفا، بعد أن ذهبت الجائزة النخبوية لبيليه البرازيلي، الذي فاز مع منتخب البرازيل ببطولة العام 1958م بالسويد في أول ظهور له وهو في عتبة الثامنة عشرة، وسيكرر الانجاز في بطولة تشيلي في العام 62 بفوز البرازيل على تشيكوسلوفاكيا، وسينهي مشواره الخالد في مونديال المكسيك في العام 1970 بقيادته لمنتخب السيليساو لبطولة ثالثة، جعلت بلده البرازيل  تحتفظ بكأس جول ريميه للأبد ، وجول ريمة بالمناسبة هو المحامي الفرنسي الي ترأس الاتحاد الدولي لكرة القدم في 1921م وصاحب اختراع كاس العالم، بعد أن اقنع قيادة اللجنة الأولمبية الدولية - التي انتدبته للعمل فيها – باقتراحها كبطولة مستقلة ، بعد خشيتها من سحب بساط الشهرة من تحت أقدام اللجنة. ونظمت أول بطولة في الأرجواي في يوليو1930. التي كان من أبرز طرائفها:

أنه في المباراة الختامية للبطولة التي أقيمت على استاد سنتيناريو في مونتيفيديو بين الأوروغواي والأرجنتين، ارتدى الحكم البلجيكي جون لانغينوس البدلة كاملة مع رباط العنق وحذاء كرة القدم، أمام أكثر من 90 ألف مشجع. ولاحقاً تدخل كارول الثاني ملك رومانيا لإعفاء اللاعبين المشاركين ضمن منتخب بلادهم في البطولة من جزاءات فرضتها عليهم الجهات التي يعملون بها بسبب غياباتهم.

 بعد هذه السنوات الطويلة والحياة المشعبة بارباكاتها لم تزل اخبار كرة القدم ومشاهدة بعض مبارياتها  بالنسبة لي هي الملاذ المطمئن  بعيداً عن اخبار الكوارث والحروب  التي تعبث بالكوكب.
 

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023