آخر الأخبار

أدب الأطفال في أرخبيل سقطرى

الإثنين, 01 أغسطس, 2022

أدب الأطفال من الآداب الواسعة والمتنوعة في عموم محافظة سقطرى. 

وعلى الرغم من هذا الثراء والتوسع إلا أن هذا النوع من الأدب لم يحض بدراسة ولا توثيق حتى الآن.

وهذا الأدب فيه القصة والشعر وفنون النثر المتنوعة، وربما جمع ذلك كله في مقام واحد أو في وقت واحد.

في السطور الآتية نحاول تسليط الضوء على من بعض من ألوان آداب الأطفال في سقطرى بما توافر لدينا من معلومات، وبالقدر المتاح من مجال المقال.. فهذا الأدب كما أشرنا واسع عصي على الحصر والاستقصاء، ولذلك نستدل ببعض الشواهد للتدليل لا الحصر. 

  وتعد النساء أغلب من يعمل على أدب الأطفال (يسمى التندانة في سقطرى ) وقد يردده الرجال بحسب الحاجة والظرف.



  وتردد التندانة بغية تعليم الطفل وتسكيته، وأكثر استخدامها في التنويم، وهو أدب يعتمد الامتاع ولا يؤلف مسبقاً بل يعتمد على الخيال فتبدعه المرأة وقت الحاجة ويؤدي بتنغيم مطرب فيمزج اللحن الشجي بالطموح حيث تتطلع المرأة في وليدها أن يكون رجلا شجاعا وبطلا مغوارا وصاحب سلطة عليا يدير شؤون المجتمع والقبيلة، وهكذا في حال كان الهدف أنثى تتطلع فيها والدتها أن تتزوج من رجل ثري يسافر بها إلى دولة مترفة وهي بدورها تنعم والديها بالقصور وتفيض عليهما من خيراتها الواسعة وذهبها ومجوهراتها وتجري كل هذه التطلعات والآمال بأسلوب شعري أو نثري وبلحن ممتع تستمع المرأة المنشدة به قبل وليدها، فلا تكاد تتوقف منسجمة مع لحنها الذي يزداد عذوبة كلما تأخر الطفل في نومه ويتوسع خيالها أكثر فتسافر بآمالها وتطلعاتها خارج حدود البيت الذي تعلل فيه الطفل وكثير ما تجد الطفل يغط في نوم عميق والمرأة ما زالت تردد أناشيد التندانة.  

  يتم تنويم الطفل بتحريكه بخفة على الأرض وغالبا ما يوضع في الزنج أو المرجيحة أو المزالجة كما يسميها البعض ومكوناته: حبل يربط وسطه في خشبة السقف ويدلى طرفيه إلى الأسفل وقماش مفتوح الطرفين سباعية التي يلبسها الرجال أو خمار المرأة أو أي ثوب آخر يربط كل طرف منه بالحبل المدلى من السقف وقد يربط الطرفين بطرف واحد من هذا الحبل ومن يتم تحريكه حركة خفيفة أو يهز هزا في مكانة إلى حين نوم الطفل.

  يعتمد أدب الطفل على الترديد أو التكرار.. تكرار جملة إنشاديه معينة أكثر من مرة وقد يكون المردد صوتا معينا أو نغمة معينة أو تصفير خاص مثل صصص سسسسس أو ها هاه ها ها أو للاه للاه لللاه.. وقد تختم بهذه الأصوات والتنغيمات المقطوعات الإنشاديه والشعرية فتصير لازمة تتكرر في نهاية المقطع يتم ذلك بلحن موسيقي طروب.   
والقصص والحكايات القديمة والجديدة التي تصور طرب الناس من هذه الأهازيج كثيرة.. ويروى أن أحدهم خطب امرأه لا يعرفها ولم يرها ولكن حين مر بجانب دارها سمعها تردد أناشيد التنويم في حق صبي فجعل يتنصت لها منبهرا بصوتها العذب وكلماته البليغة فتقدم إلى أهلها وتمنع الأهل تزويجه فبالغ في خطبتها ومهرها فقال له أحد رفاقه وما الذي يغريك فيها إلى هذا الحد فقال سمعت صوتها فأشجاني وكلامها فأعجبني حكمتها وتطلعها نحو المستقبل فمن تملك هذه الصفات جديرة أن تربي ذرية صالحة.

 ما يقال في التندانة أو التهويدة قد تكون أشعارا أو أراجيز أو أناشيد تبدعها المرأة لحظة التندانة وقد تحفظها من أشعار الآخرين، وأحيانا تضيف عليها بما يتناسب مع طفلها وكنيته واسمه.. 
واشتهرت كثير من النساء بتأليف هذ اللون من الأدب ومنهن من جعلت لكل ولد من أولادها أشعارا و أناشيد خاصة به يتناقلها الناس وتصير بمثابة الميزة التي يعرف بها طوال حياته وقد يصاحب ذلك أساليب فنية فتشخص المرأة في ولدها شخصا يحاور ويرد ويتكلم وهي ترد عليه وغير ذلك من الأساليب الفنية وتتعدد موضوعات هذه التهويدة التندانة بين دينية واجتماعية كما في قول أحدهم في الاهتمام بالأم: أول بداية بسم الله وصلوات على النبي .. صاليك صلاة وتكثيرة ودك ألله عن شي ديكن...المعنى: صليت صلاة كثيرة وعن الله لا يكفي شيء. أح مارطك توكن أح أأفو ...المعنى: وصيتكم أيها الناس بالأم. 

من ديقالع ديهه بيو...المعنى: من يترك أمه دي سوى سه كونوفع ...المعنى: الوصية ببالغ الاهتمام بها. ويهه ايمن الا بيدى بس...المعنى: بصدق وليس كذبا بها بر ايمعك ايطه من خطبه ...المعنى: قد سمعت ذلك من الخطبة. اصليك ادهن كدعروب...المعنى: تسمعت جيدا ها الكلام من عالم. وهذه قصيدة واعظة مشهورة انتشرت مؤخرا في وسائل التواصل وصدرت بصوت نسوي شجي لذلك اتخذتها النساء اللواتي لا يحسن تأليف الأهازيج والأناشيد وسيلة في تعليل أطفالهن وتنويمهم.

  وقد يكون موضوع التهويدة أو التندانة التحنن إلى الماضي وذكريات الوطن وحب الأهل وفي هذا المجال اشتهرت تهويدة امرأة هاجرت إلى دول الخليج تعلل فيها طفلها فتذكر بلادها والمقطوعة التالية جزاء منها.
  وياللاه وياللاه وياللاه أدميوه بيوه أدميوه أعاقلوه مناحجيهون...والمعنى: ياللاه صوت لا معنى له، بيوه الأم، أدميوه يعني ننام يا أمي، ونترك الألعاب. ولوصمعنكن توؤه كنكن قاقايهن وقاقهيتن...المعنى: أحبكم جميعا أخواني وأخواتي.. وفانى توش دوش أوؤرم عودك وشجاروه دي معتجوتي...المعنى: قديما مشيت عليك أيتها الطريق عقبة دي معتجوتي.

   وموضوعات التندانة متعددة وكثيرة منها أهازيج تستخدم في التنويم موضوعها الحب والنصح والدين و الحديث عن الولادة والحمل وغير ذلك من الموضوعات.
  وقد يجنح هذا اللون من الأدب إلى الرمز فيستخدم الشاعر رموز من الطبيعة لأغراض خاصة تتضمن الدعوات للملود كما في قول أحدهم: طاحرروه طاحرروه دي زمزهم دشليهن دشليهن...المعنى: طاحرروة نوع من الغزلان السريعة.

  أمرعك عن ناف وعن طيه شيرارنه وعن بيله معادبوه...المعنى: حفظك الله من السقوط من الشواهق وعن كل شيء متعب.


أما الأطفال الكبار قليلا ممن ينامون على الأرض ولا يحتاجون إلى الزنج أو المزالج فتحكى لهم قصص علي بو تعيل وأبو نواس وغيرها وأغلب أحداث هذه القصص تدور حول الدهاء وكيفية التغلب على الغير أو المتاهات المعقدة للحياة مثل قولهم: علي بو تعيل يهنى زرعه وزرعه تاس جمش....والمعنى أن علي بو تعيل زرع زرعه وهو نوع من الخضار وجاءت الساحلية وأكلت الزرعه وهكذا تستمر حكايتة مع الحياة كل فعل تعقبه مشكلة وكل مشكلة تقود إلى آخرة كما يجنبون الأطفال قصص الحب والغزل وغيره.

ومن قصص الدهاء التي تحكى للأطفال أن علي بو تعيل جعل يحمل جمله العلب الفارغة والقوارير وكأنه في عصرنا مثل العاملين في مصانع التدوير وإعادة التصنيع.. المهم أنه قاد جمله على الطريق فقابله السلطان يقود بعيره يحمل صنوف الأطعمة فسأله السلطان ما حملت جملك فقال الذهب والفضة فأراد السلطان أن يزيد عليه ويستغفله فقال ألا تريد أن أبادلك تأخذ بعيري بما فيه من الأطعمة وأنا أخذ جملك بما فيه فوافق علي بو تعيل وتبادلا وكل ذهب في طريقه فاكتشف السلطان عند إفراغ حمولة الجمل أن الرجل زاد عليه بذكائه.

كما أن هناك نوع من الفوازيز يخترعها الكبار لإثارة التفكير عن الصغار أو ما يسمى بالعصف الذهني وتسمى توقعهاتن لأنها تبدأ بقعك توك(سألتك) ومن أمثلتها( قعك توك نم ديتى وأل يشابع... ...المعنى: سألت ما الذي يأكل ولا يشبع وتكون الإجابة النار... ولا يتوقف الناس على القديم في ذلك بل يحدثون فوازير جديدة يقول لي أحد الأطفال قع توك نم ديشماتل بلا حاه يعني ما الذي يتكلم بلا فم يعني القلم.

وهناك بعض الألعاب الخاصة بالأطفال تهدف إلى ترويض الأطفال وإشغالهم والتخفيف من إزعاجهم ترافقها آداب قولية خاصة فمثلا يجلس الأطفال في دائرة ويضعون أيديهم في الأرض ويحسب أحدهم من بداية الدائرة ويربت فوق كل يد ويقول حدلجي مدلجي سبع لقم وتلتقم فاطمة متنبة والمسك والعنبر كل على هذا ومن تقع في يده آخر كلمة(هذا) يرفع يده باعتباره خسر اللعبة وهكذا تستمر اللعبة حتى آخر واحد فيهم. وحقيقة ألوان أدب الأطفال كثيرة وما هذا سوى نماذج فقط لذلك أدعو الدراسين والباحثين والإعلامين وجميع المهتمين بسقطرى لبحث ودراسة هذا اللون وغيره من الآداب السقطرية وتدوينه وتوثيقه.  


  *المقال خاص بالمهرية نت