آخر الأخبار

الهوية السقطرية

الخميس, 21 مايو, 2020

منذ عهد ليس بالقريب أثارت قضية الهوية السقطرية اهتمام الباحثين والكتاب، حيث تتنازعها البلدان والدول، وتدّعي نسبتها كثير من الأمم، والكثير منهم يبحث عمّا يؤكد التصاقه بالأرض والإنسان، ولذا فإن الباحثين شرقوا فيها وغربوا، والقليل منهم من عرف حقيقة العرق السقطري هل هم يونانيون؟ أم أفارقة أم عرب ينتمون إلى اليمن أو عمان، أو الإمارات، ومازال هذا الخلاف قائماً تثيره نوازع ذات منحى مصلحي أو نوازع ذات مناحي استثمارية.

ومن الكتّاب القدامى من يقول أن في سقطرى سلالات أجنبية برتغالية وأوربية، نذكر منهم على سبيل التمثيل لا الحصر المسعودي حيث ذكر في كتابه (أخبار الزمن) قوله: وجزيرة سقطرى وبها منابت الصبر السقطري، وموضعها بين بلاد الزنج وبين بلاد العرب؛ والسبب في ذلك أن الاسكندر لما غلب على ملوك فارس وكان يكاتب ارسطاطاليس بما يجري من أمره، ويعرفه بما وقف عليه وغلبه عليه من الممالك، فكتب إليه ارسطاطاليس، يؤكد عليه في طلب جزيرة في البحر تعرف بسقطرى لان بها منابت الصبر السقطري، وبها الدواء العظيم، وأن الجزيرة إن وجدها لا ينتقل عنها حتى يصلح عمارتها ويسكنها قوما من اليونانيين ويطوف لهم بملكها..ففعل الاسكندر ذلك.

ومازال ادعاء أن الأرخبيل يونانية قائم إلى اليوم من بعض الكتاب من الشرق والغرب لما يرونه من تشابه صفات بعض السقاطرة مع هؤلاء، فيرون زرقة في العينين أو صفرة في البشرة الأمر الذي يجعلهم يؤكدون انتماء هؤلاء للغرب، صحيح أن هناك جينات أجنبية في الأرخبيل نتجت عن الغزو البرتغالي وانقطاع بعض النساء الأجنبيات من العودة إلى بلدانهن فعشن في سقطرى وتزوجن وهذا ترك طابعاً أجنبياً في الأرخبيل وهو طابع فرعي وليس أصيلا.

ربما بقيت هذه العروق الأجنبية في الأرخبيل من الاحتلال، وقد تكون طفرة جينية باقية من سلالات الماضي، والفحص الجيني الحديث ما يعرف بـ(DNA) يؤكد ترابط كثير من الناس في الشرق والغرب؛ وهذا ليس غريباً، فالناس لآدم وآدم من تراب كما جاء في الأثر، الأمر الآخر أنه قد يكون هناك عامل المرض كنقص فيتامين معين أو عامل المناخ الذي يؤثر في تركيبة الإنسان وشكله.

هناك من يدعي أن الأرخبيل تتبع الإمارات، وهذا الادعاء حديث لكنه مازال مستمر، ويعللون ذلك بسبب كثرة المستوطنين من أبناء سقطرى في الخليج، وتوسّع التبادل المهني والأسري بينهما، والكثير من الكتّاب والمشتغلين في الإعلام الخاص أو العام، يحاولون تبرير الادعاء، كما يتصفحون مقالات وكتابات لتقوية مزاعمهم، وهما فريقان فريق إمارتي موجّه يطمع في الأرخبيل، وفريق محلي يطمع فيما تقدمه الإمارات.

والحق أن سقطرى تربطها علاقات قديمة مع الإمارات، فقد كان السقاطرة يسافرون إليها للبحث عن عمل وقد شارك العديد منهم في نهضة الإمارات منذ عهودها الأولى، ونتيجة لذلك حصل الكثير من التداخل الأسري، وكذا استوطن البعض منهم فيها وصار من ضمن المكون البشري للدولة؛ لكن ذلك لا يعطيها حق ملكية سقطرى.

و من الكتاب من ينسب سقطرى إلى عمان بسبب تقارب العادات والتقاليد وتقارب اللهجة الجبالية في عمان مع السقطرية في كثير من المفردات يضاف إلى ذلك استنجاد فاطمة الزهراء الجهضمية بملك عمان الصلت بن مالك في قصيدتها المشهورة التي مطلعها:

قــل للإمـام الذي ترجى فضائله                ابن الكــرام وابن السـادة النجب
أمست سقطـرى من الإسلام مقفرة          بعـد الشرائـع والفرقـان والكتب

هذه المرأة كما ذكرت المصادر العمانية أنها جهضمية عمانية جاءت في رحلة إلى سقطرى وحصل أن داهم النصارى سقطرى واحتلوها عنوة؛ لذلك من الطبيعي أن تستنجد بملكها كونها لا تعرف غيره وربما لا يصل صوتها إلى غيره، كما كان البعد الجغرافي وصعوبة المواصلات واقتصارها على الوسائل البحرية التقليدية فقط عاملاً أساسياً في جعل سقطرى بمنأى عن اليمن وعن غيرها مما جعل أهلها يلوذون بقوة الحكم العماني آنذاك لتخليصهم من الغازي، ومن ناحية تقارب اللغة الجبالية من السقطرية، فهذا التقارب جاء من تشابك اللغة السقطرية مع المهرية والتي تعد الجبالية العمانية مأخوذة منها.

وقد كانت سقطرى في فترة زمنية معينة محتلة من قبل حاكم عمان، فقد ذكر في كتاب تاريخ اليمن خلال القرن الحادي عشر قال: وَدخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف فِي ثَالِث محرم... واستطرق أَصْحَاب الْعمانِي هَذَا الْعَام جَزِيرَة سقطرى وَقتلُوا من أَهلهَا جمَاعَة صبرا...وَفِي هَذِه الْأَيَّام عاث فِي الْبَحْر أهل عمان.

فالتقارب في العادات والتقاليد فرضها التواجد العماني في الأرخبيل إما محتلين أو لغرض الاصطياد والتبادل التجاري كما أن بعضاً من العمال العمانيين استوطنوا  سقطرى، وأيضا حصل العكس بتوطن بعض الأسر السقطرية في عمان. 

وهناك ادعاء من الصومال بأحقية الأرض بسبب القرب الجغرافي؛ فالصومال قريب من جزيرة عبدالكوري إلى درجة ترى منها أضواء عاصمة الصومال ليلا؛ لكن هذا القرب ليس دليل انتماء فهناك العديد من الحدود الدولية يفصل بينها شارع قصير لا يتجاوز طوله بضعة أمتار، وكذا جزيرة عبدالكوري تمثل حدود اليمن مع الصومال.

ولا تقتصر المطالبة بضم سقطرى إلى حماها على الجانب الدولي، بل هناك ادعاءات في المستوى المحلي تتنافس فيه بعض المحافظات على سقطرى فعدن تدعي أنها هي من وضعت اللبنات الأولى لنهضة سقطرى وهي من نشرت فيها التعليم والصحة والعمران، وكذا حضرموت تزعم أن سقطرى جزءا منها، والمهرة تؤكد أنها أصل وأن سقطرى فرع منها، بحكم تقارب المنطق والحكم السلطاني الموحد.

كانت سقطرى قديماً تتبع المهرة إبان حكم آل عفرار، وبعدها ولّت قبلتها إلى عدن ومنها إلى صنعاء وعادت إلى حضرموت واستقرت تتبعها إلى لحظة إعلانها محافظة، وجميع هذه المحافظات استفادت من سقطرى وأفادت سقطرى، لكنها ظلت تتفرد بلغتها وعاداتها وتقاليدها إلى اليوم. 

والحق أن اهتمام اليمن بسقطرى على مختلف مراحل الحكم وعلى امتداد الزمن القديم والحديث كان ضعيفاً جدا ولا يزال، وهذا ما أضعف وطنية الانتماء اليمني لدى كثير من السقطريين، وجعلهم يتشبثون بكل من يدّعي أحقيته بالأرخبيل.

لكنها لا تثبت انتساب سقطرى لأي من هذه الدول أو المحافظات فقد ذكر الكثير من المؤرخين والكتّاب أن سقطرى أرض يمنية عربية وأنها مستقلة في طابعها الثقافي والديني والاجتماعي؛ ولبيان ذلك أدعو الباحثين من ذوي الاختصاص بحث هذه الجوانب بأسلوب علمي محكم.