آخر الأخبار
وهم الاستقرار الحوثي !!
الارتفاعات الجنونية المتعاقبة في أسعار السلع الغذائية والخدمات الضرورية التي تمس حياة المواطن في عموم اليمن شماله وجنوبه واحدة من مخرجات الحرب العبثية التي تلف البلاد منذ سبعة أعوام، ويتكسّب منها وكلاء الداخل وأذرع الرعاة (في الرياض وأبي ظبي وطهران) ويدفع ثمنها المُرّوالدامي المجتمع بكل فئاته وشرائحه.
قبل أشهر وصل سعر صرف الدولار في المناطق التي لا تسيطر عليها جماعة الحوثيين إلى أرقام قياسية اقتربت من الألفي ريال للدولار الأمريكي الواحد، قبل أن تتراجع إلى أقل من النصف بعد تعيين قيادة جديدة للبنك المركزي في نوفمبر الماضي، لتعيش بعدها حالة من التذبذب فوق الألف الريال للدولار الواحد في الأسابيع الماضية. طبعاً رافق هذا الارتفاع ارتفاع مواز ومبالغ فيه لأسعار السلع الغذائية الأساسية والوقود وغيرها.
بالمقابل بقي سعر الصرف في مناطق السيطرة الحوثية ثابتاً في حدود الستمائة ريال للدولار الواحد، وظن الجميع أن أسعار المواد الغذائية لم تتغير بسب هذا الثبات، وهو الأمر الطبيعي والمنطقي في ذلك، لأن سعر المواد تتحدد بهذه العملة أو بالعملة السعودية (الريال السعودي) عند أغلب تجار الجملة ووكلاء البيوتات التجارية المعروفة ؛ غير أن الأمر كان مختلفاً تماماً ومحيّراً في جوانب المعاينة العقلية للمتتبع، فقد ارتفعت الأسعار بشكل حاد ومراوغ ، وبدلاً عن ذلك راحت الوسائل الإعلامية التابعة للجماعة تتحدث عن موجة للغلاء العالمي في أسعار الدقيق والقمح والزيوت. أما بقية السلع فثابتة أسعارها بثبات سعر الصرف !!
بدأت بعدها القراءات الإحصائية والمقارنات في الأسعار شمالاً وجنوباً من واقع متغيرات سعر الصرف في المنطقتين فكانت النتيجة الكارثية، على سبيل المثال، أن سعر الكيس الدقيق في مناطق السيطرة الحوثية يساوي مائة وعشرين ريال سعودي من واقع سعر الصرف السائد فيها(150.8) للريال السعودي، بينما يساوي مائة ريال سعودي في المناطق الخارجة عن سيطرتها( مناطق الشرعية) من واقع (420) للريال السعودي، وإن سعر الإسطوانة الغاز في مناطق الحوثيين رسمياً ولدى عقال الحارات تساوي 31 ريال سعودي بواقع خمسة الاف ريال لكل اسطوانة، في الوقت الذي سعرها في المناطق الأخرى23 ريال سعودي بواقع عشرة الآف ريال للأسطوانة . العلبة الفاصوليا سعرها في المناطق الحوثية 450 ريال بما يوازي 3 ريالات سعودية ، بينما سعرها في المناطق الأخرى 800 ريال بما يوازي ريالين سعوديين ، وهكذا تنطبق هذه المقارنات أيضاً على بقية السلع.
منذ منتصف الأسبوع الماضي بدأت موجة غلاء تجتاح العاصمة .. فبعد يومين من اختفاء الزبادي ( السلعة الرئيسة في مائدة فقراء اليمن) من معظم البقالات الكبيرة والصغيرة ، ظهر يوم الخميس بسعر مرتفع وبشكل رسمي بمبلغ 350 ريال للعلبة عبوة 500 جرام، بعد أن كان سعر العلبة 300ريال فقط قبل 48 ساعة من هذا التحول بنسبة زيادة مقدارها 17% ، في وقت لم يطرأ أي تغيير على سعر الصرف المستقر عند 600 ريال للدولار و150.8 للسعودي . العلبة الفاصوليا صار سعرها الرسمي 500 ريال ولا تجدها ، والعلبة الحليب الصغيرة 300 ريال. مبرر الارتفاع المتداول، والذي يُشاع سببه أزمة الوقود التي تصعِّب نقل المواد من تعز والحديدة ، وهذا المبرر ينتفي عند الحديث عن الزبادي المنتج في صنعاء على سبيل المثال !!
"على ذكر الزبادي روت جارة لنا أن حفيدتها الصغيرة تمنت بالأمس تناول علبة زبادي كاملة دون أن تشاركها العائلة الصغيرة المكونة من خمسة أفراد شيئا من العلبة "
أن ترتفع أسعار السلع الأساسية المرتبطة بمعيش الأسر الفقيرة دون أن تتدخل سلطة الأمر الواقع في وقفها أمر يثير الريبة، خصوصاً اذا كان الأمر مرتبط بتواطؤ جهات الاختصاص داخل هذه السلطة مع البيوتات التجارية، لتغطية مخاسيرها من دفع الاتاوات والجبايات و(الضربنة)(*) التي تفرض على منتجاتهم بالحق والباطل بتحميلها المواطن العاري على هيئة جرعات سعرية غير معلنة.
تحاول الألة الإعلامية لسلطة الأمر الواقع وذبابها الأزرق إقناع الرأي العام (في الداخل والخارج) أن ثمة استقرار تمويني يُدار بأسعار ثابتة في المناطق التي تسيطر عليها بفعل ثبات سعر الصرف، وتعمل، هذه الألة على ابراز الاختلالات في السعرية وحالة الغلاء المنفلت في مناطق خصومها ، غير أن هذا الضخ يتكشف زيفه عند مقاربة حالة الغلاء التي لم تستكن في المناطق التي يسيطرون عليها ، والجميع يتوقع أن تصل إلى مستويات قياسية جديدة مع دخول شهر رمضان والذي عادة ما تصاحبه ارتفاعات غير مبررة على السلع ذات الطلب اليومي من قبل تجار ووسطاء لا ضمائر لهم.
_________________________________________________
(*) الضربنة : مصطلح شعبي رائج في أوساط المشتغلين بالتجارة وتعني فرض جبايات قاسية على أعمالهم تحت مسمى الضرائب ولو بأثر رجعي.