آخر الأخبار
مسارات جديدة لحرب بلا أفق
ظن الكثيرون إن توقف قصف المواقع في صنعاء ومدن يمنية أخرى لشهور طويلة في العام 2021م وهدوء معظم الجبهات سببه جهود تبذل على مستويات عليا لإنهاء الحرب في اليمن ،وكبُرت تلك الظنون بقيام الرئيس الامريكي الديمقراطي جو بايدن ، المنتخب لتوه، بإلغاء قرار سلفه الجمهوري دونالد ترامب باعتبار الحوثيين جماعة ارهابية، وتلى ذلك القرار إحياء البيت الأبيض روح مبادرة الديمقراطيين التي قدمها وزير خارجية أخر حكومات أوباما (جون كيري) في أغسطس من العام 2016م ، بل وسمَّت، الإدارة الديمقراطية الجديدة مبعوثاً لهذا الغرض في 4 فبراير 2021 اسمه (تيموثي لانديركينغ) و هو دبلوماسي أمريكي، كان يعمل نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون إيران والعراق والشؤون الإقليمية متعددة الأطراف في مكتب 'الشرق الأدنى' في وزارة الخارجية الأمريكية؛ الذي قام برحلات مكثَّفة بين عواصم خليجية عدة (الرياض، مسقط، الدوحة، أبو ظبي)، قبل أن تنطفئ هذه المساعي، وتعود صنعاء ومدن أخرى منذ الخريف الماضي إلى مرمى صواريخ وقنابل المقاتلات السعودية والإماراتية، في ردود على استهداف الحوثيين، بالمسيَّرات والصواريخ البالستية ، للعديد من المناطق السعودية الحيوية ، كما يتم التبرير له باستمرار.
اُطلقت مبادرة كيري في وقت كان التحالف السعودي - الإماراتي في أوّج قوته، ويراهن على الحل العسكري وفرض شروطه السياسية والأمنية ليس في اليمن، وإنما في محيطها الإقليمي؛ صعود إدارة الصقور الجمهوريين برئاسة ترامب، القادم من خارج السياسة، عزَّز هذا الشعور، وحكم على مبادرة كيري بالموت في مهدها، بسبب تبنّي الرئيس الشعبوي مواقف متشددة ضد الحوثيين ومموّلهم الرئيس (النظام الإيراني)، وشجّع على تشكيل جبهة واسعة من حلفاء امريكا الإقليميين (الأثرياء) ضد طهران، وأذرعها في المنطقة.
طيلة فترة حكم الصقور الجمهوريين (2017- 2020) كان التشدد واضحاً لجهة اطالة أمد الحرب ورفع شعارات الحسم، لكن مع استعادة الديمقراطيين إدارة البيت الأبيض، بعد معركة انتخابية قاسية مع الشعبوية الترامبية، بدأت الأمور تأخذ المنحى التهديئي، حتى أن الحرب أخذت أبعاداً شديدة الالتباس، وقف الكثير من المتابعين لمجرياتها حائرين في تفسيرها، اذ حشد الحوثيون كل قواهم لاجتياح مأرب وتمكنوا من التوغل في مناطق قريبة من مركز المحافظة التي استعصت عليهم لسنوات طويلة، في ظل صمت دولي إلاَّ بقليل من بيانات الإدانة ، وفي طريقهم هذه استعادوا كل مديريات البيضاء التي كان خصومهم يديرونها، ولم يصل العام إلى خريفه الجاف (سبتمبر 2021) الا وأعادوا اجتياح المديريات الغربية لمحافظة شبوة ( بيحان، عسيلان، عين) بدون مقاومة تذكر، وبعد هذه العملية شهد اليمنيون، عملية شديدة الارتيات بانسحاب القوات المشتركة (ألوية العمالقة، قوات طارق صالح) من محيط الحديدة، ولم تستطع تبريرات هذه القوات لإنسحابها اقناع الداخل والخارج بانه إعادة تموضع خارج مواضع اتفاقية استكهولم ، غير أن القراءات كانت تقول أن ثمة تفاهمات امارتية إيرانية ، بشأن تقاسم الجغرافية اليمنية، أو على الأقل ترسيمها في حدود ما قبل مايو 1990، ليتمكن أذرع الامارات من ابتلاع الجنوب، وأذرع ايران تستحوذ على الشمال (جغرافية الجمهورية العربية اليمنية بحدودها الادارية المعروفة)
كل هذا تم في وقت تم تسريب الكثير من الأخبار حول مفاوضات سعودية إيرانية بشأن الملف اليمني في لقاءات سرية في كلِ من مسقط وبغداد بمباركة أمريكية ووساطة عراقية وعمانية ، والأخيرة قامت، قبل ذلك، بوساطة مدعومة أمريكياً وكويتياً لإنهاء الحرب، ولهذا الغرض أرسلت وفداً إلى صنعاء بضمانات كبيرة، غير أن هذا الوفد عاد إلى مسقط دون أن يحقق اختراقاً حقيقياً في الجدار الصلب لموقف الحوثيين ومن ورائهم إيران، الذين راهنوا على ابتلاع مأرب بسرعة فائقة بعد تضعضع جبهة خصومهم في الشرعية وسكوت بقية الجبهات، في حالة كانت تشيئ بتسوية سرية أبرمها رعاة الحرب، لفرض واقع جديد يكون فيه الحوثيون رقماً فاعلاً في شمال اليمن، بالتوازي مع تصفية الشرعية لصالح المجلس الانتقالي.
عملت دولة الإمارات - الطرف الثاني في التحالف- على إزاحة محافظ شبوة محمد صالح عديو، المحسوب على حزب الاصلاح، وتنصيب أحد مواليها المعروفين (ابن الوزير العولقي) ، وتبع هذا التنصيب انتقال الوية العمالقة من الساحل الغربي إلى شبوة لقتال الحوثيين وتحرير المديريات الغربية، وهو ما تم خلال أيام عشرة فقط ، أثبت أن الحوثيين ليسوا يتلك القوة التي رسمها الإعلام عنهم، أو أنهم انسحبوا بناء على التفاهمات التي أشرنا إليها.
صبيحة يوم الأثنين 17 يناير 2022م تفاجأ المتابعون استهدفت مسيرات موجهة مجمعاً نفطياً بالقرب من العاصمة الامارتية أبوظبي، وقد سارعت الأخيرة باتهام الحوثيين، وليس إيران، بأنهم وراء هذه العملية، لتقوم طائرات التحالف في مساء ذات اليوم مساء اليوم الثاني بتنفيذ غارات شديدة متعددة على أعيان كثيرة ومنها منزل يقطنه قائد القوات الجوية السابق عبدالله الجنيد مع عائلته، ونتج عن هذه الغارة وفاة أكثر من عشرة أشخاص من أسرة الجنيد وجيرانه من بيت الأهدل.. أغلب الضحايا الذين اُعلن عنهم، لم يكن بينهم قادة عسكريون قيل أنهم كانوا مجتمعين في المنزل ،بل كانوا من المدنيين، الذين يجرَّم القانون الدولي استهدافهم بكل الأحوال، ولا يبرر قتلهم أنهم كانوا بمعية شخص مستهدف لوظيفته في القوات الجوية، التي يقال أنها ،كمنظومة عسكرية، وراء اطلاق المسيرات التي استهدفت أبو ظبي وقبل ذلك المدن السعودية. استمرت الغارات على صنعاء ومدن يمنية أخرى، وبالمقابل لم تتوقف غارات المسيَّرات (الحوثية) وصواريخها البالستية على مدن سعودية وإماراتية رئيسية ( أبو ظبي ودبي).
تساءلت مع بدء العملية العسكرية التي أطلقتها الإمارات بشبوة، هل ستكون هذه العملية معرِّفة بيمنيين طارئين في حدود ما قبل 22 مايو 1990م إن توقفت العمليات العسكرية في الحدود الشطرية السابقة، خصوصاً بعد اطلاق يد المجلس الانتقالي في كل المحافظات الجنوبية، بما فيها تلك التي استعصت عليه طوال السنوات المنقضية ؛وحتى اليوم وبعد تحرير المديريات الثلاث غرب شبوة، تباطأت العمليات في مدينة حريب جنوب مأرب التي تقول الأخبار أن قوات العمالقة وصلت إليها، لكنها لم تخض معركة تحرير فيها ، وإن قوات عسكرية جديدة أعدتها السعودية في مأرب وأسمتها (الوية اليمن السعيد) قد دخلت المعركة في ذات اليوم الذي أعلن في متحدث قوات التحالف تركي المالكي من شبوة عن عملية تحرير اليمن السعيد، والتي ستقود اليمن في المستقبل إلى الوضع الأوروبي الجديد !!!.
كان هدف التحالف منذ بداية الحرب ولم يزل هو إضعاف جميع الأطراف المتحاربة، حتى يسهل عليه إعادة ترسيم الجغرافية بالطريقة التي تحقق مصالح دوله الرئيسة (السعودية والامارات)، دون أن يكون هناك طرف قوي بينها يمتلك القدرة على إنتاج مشروعه الوطني المستقل خارج الوصايا الخارجية، وها هي الأطراف جميعها، بعد سبع سنوات من الحرب، تعمل لصالح مشاريع تقسيم خارجية ، لأنها في الأصل لم تعد تملك قرارها المستقل ولا رؤيتها الوطنية لإنقاذ اليمن.
وحدهم الضحايا المدنيون ،الذين يتساقطون بصواريخ المقاتلات وبالغام الحوثيين وقذائفهم التي توجه للأحياء السكنية في تعز ومأرب والحديدة، من يدفعون ثمن هذه الحرب العبثية، التي وجدت في اليمن الفقير مساحة للصراع الاقليمي ووجدت في نخبه السياسية (شقاة) يعملون مع من يدفع في الرياض وطهران وأبوظبي وبقية الدول المستترة في هذه الحرب التي تحصد أرواح اليمنيين وتفكك ترابهم.
المقال خاص بموقع المهرية نت