آخر الأخبار

عجوزٌ تخطتْ السبعين خريفًا!

الخميس, 16 ديسمبر, 2021

بيدها المرتعشتين اللتين كساهما الشيب  وأتعبتهما عوامل الزمن القاسية، تلوح للمارة  بالشارع بتلك الأشياء القليلة المصنوعة يدويًا، عجوزٌ تخطت السبعين خريفًا، تجوب شارع جمال ذهابًا وإيابًا بجسمها النحيل، تحت حرارة الشمس القاسية وبين الزحام، تبحث عمن سيجبر بخاطرها  ويشتري منها بعضًا من بضاعتها حتى لا تعود إلى بيتها خالية الوفاض ويحزن من خرجت تعمل لأجلهم. 

  التقيتها مرارًا وأنا أتحاشى الاقتراب منها، لا لشيء، إنها ليست مخيفة لهذه الدرجة وليست  بالملحة المزعجة، ولكن القلب لم يعد قادرًا على تحمل الكثير من الأوجاع والمآسي، فهذه العجوز بهذا السن الكبير أبدًا لا يكون الشارع مكانها، تطويه مشيًا على الأقدام كل يوم، إن مكانها الذي يليق بها هو غرفةٌ هادئةٌ مريحة مع سجادة صلاة ومسبحة ثم إلى جوارها من يقوم برعايتها، هكذا كان ينبغي على الواقع أن يعطيها لا أن يرمي بها بين هذا التعب والإعياء، ألا لعنة الله على الحرب وعلى من أشعلها وجعل الناس بين الأوجاع. 

  اقتربت منها وكأني قد عرفت قصتها كاملة من خلال مظهرها الذي يدل على أنها تعاني كثيرًا، قلت في نفسى لا شك أنها تعول أسرة وهم الآن بانتظارها لتعطيهم ما يأكلونه وكثيرًا ما تتشابه قصص المأساة في هذا الواقع الأليم، الذي بات الإنسان فيه رهينةً للجوع والمرض في الوقت نفسه.

  تشير إليَّ بأن أشتري منها ثم تقسم بالله _دون أن أسألها_ أنها تعول أيتامًا وإلا لما خرجت من بيتها وهي مريضةٌ، قلت في نفسي: صدقتِ، مثلك لا يخرج إلا مضطرًا، ثم سألتها عن مرضها وعما تعانيه، تنهدت وقتها ولم تجب إلا بإيماءات فهمت منها أنها تشكر الله على كل حال ثم أشارت إلى أن ركبتيها لم تعودا قادرتين على حملها، وإن الدمعة التي سقطت من عينها لكفيلة بأن تشرح واقعها المرير الذي تعيشه هي وتعيشه آلاف الأسر اليمنية اليوم في ظل الحرب والحصار وغلاء المعيشة الذي أذاق الناس شر الجوع.

  سألتها وقتها ألا يوجد من يعول الأيتام غيرك يا أمي وما يقرب لك الأيتام؟ فأجابتني بأنهم أحفادها وأن أباهم راح ضحية لغم من الألغام التي زرعتها مليشيا الحوثي فقد حياته إثره، ثم قالت إن العائل الآخر لهم هي أمهم؛ فهي من تقوم بحياكة هذه القطع وكذلك صناعة البخور والزبد هذا وأنا من تقوم بالبيع حتى لا يموت الأبناء جوعًا مع الغلاء الفاحش في الأسعار هذه الأيام. 

  يا ترى لماذا يتجاهل المسؤولون  وجع هذا الشعب  والوجع الذي تعيشه نساء اليمن؟ لا أظنهم يتابعون مآسي هذا الشعب والرعية بل إنهم في بعدٍ عن هذا ويكتفون فقط بالترويح عن أنفسهم وأسرهم دون النظر لحال الشعب التي وصل إليها، ألا يعي أولئك أنهم مسؤولون أمام الله عن هذا الشعب الذين يموت جوعًا.؟!!
    المقال خاص بموقع المهرية نت     

المزيد من إفتخار عبده