آخر الأخبار
عادات وتقاليد رمضانية لافتة في سقطرى
يحتل شهر رمضان مكانة فريدة في وجدان السقطريين منذ أقدم العصور، حيث يبدأ الاستعداد النفسي منذ ليلة النصف من شعبان فيتأهب الرجال والنساء لاستقبال الشهر الفضيل تلهج ألسنتهم بالدعوات سائلين الله أن يبلغهم رمضان وأن يعينهم على الصيام والقيام وأن يرزقهم القبول.
وتنتشر في سقطرى الكثير من العادات والتقاليد الخاصة برمضان يتوارثها الأجيال عن الآباء والأجداد، وهذه العادات والتقاليد منها ما هو متجدد بحسب حاجة كل جيل ومنها ما حافظ على طابعه التقليدي ومنها ما هو إيجابي ومنها سلبي في نظر المتأخرين .
ومن المؤسف أن الشعوب تطمس بعضا من عاداتها وتقاليدها الإيجابية ولا تطور السلبية بل قد تأتي ببديل أسوأ منها، ولسنا في مجال يسمح لنا بحث هذه العادات والتقاليد من الناحية السلبية والإيجابية، بل نريد التركيز قدر الإمكان على العادات والتقاليد التي يتميز بها شهر رمضان في الأرخبيل دون غيره من أشهر السنة بدءاً بتحري الهلال إلى آخر أيام الشهر الفضيل.
الحديث هنا تركيز حول ثلاثة أبعاد رئيسة من العادات والتقاليد هي:(عبادية، خلقية، غذائية).
أولاً: العادات العبادية: حيث يعد شهر رمضان دافعا لتجلي الكثير من المعاني القدسية في الذاكرة السقطرية من عبادات وفروض دينية وأدعية، والتي أصبحت وثيقة الصلة بروح الشهر وعلامته الدالة عليه، وهذه العادات والتقاليد تزخرف الحياة اليومية للصائمين وتضفي عليها شيئا من القداسة والتمييز.
ومن هذه العادات ما هو خاص بالأرخبيل ومنها ما هو مشترك مع معظم أصقاع العالم الإسلامي.
لكن بعض هذه العادات والتقاليد واجهت حديثا بعض التحديات، الناشئة من توسع المدينة وانجرافها نحو الحداثة, والتأثر بالدخيل، ومنافسة التكنولوجيا الحديثة.
وأول هذه العادات العبادية تأثرا مسألة تحري الهلال وهذه الوسائل تعد عاملا مهما في تطوير العادات أو بث عادات جديده وهي ( الراديو، والتلفزيون، والصحافة، والانترنت) وقد ظهرت في سقطرى في وقت متأخر، والراديو أول ما ظهر من هذه الوسائل في بداية الثمانينيات وقد شكل للناس نقلة نوعية في بعض الطقوس الرمضانية، فقد كان الناس قبل ذلك يعتمدون في تحري الهلال على الرؤية المجردة وقد كانت هناك بعض المناطق المرتفعة تتضح فيها الرؤية بجلاء و من الناس من يمتلك مهارة في تحري الرؤية حيث يتمكن من معرفة مواقيت ظهور الهلال، وكانوا الناس ينتظرون ما يمليه عليهم فيصومون وفق رؤيته ويفطرون.
وعند انتشار الراديو في كثير من المناطق كان أهالي القرى والمناطق الريفية يجتمعون حول المذياع في آخر ليلة من شعبان ويعتمدون مصدر الخبر من مكة المكرمة وخاصة اذاعة نداء الاسلام، كان ذلك قبل انتشار الفتاوى المؤكدة على ضرورة اتباع مواقيت الدولة اليمنية في الصيام والفطر، وقد ظل الأمر إلى منتصف التسعينيات في كثير من مدن وقرى الأرخبيل.
عند رؤية الهلال هناك دعاء خاص يشبه دعاء المصريين:( ليتك كل العام يا رمضان) يقال باللهجة المحلية: (ليخلفك عين الله كل أمدهن) ومعناه ليعودك الله علينا في كل وقت.
وقد كان الناس قديما يجتمعون في القرى والمناطق في اليوم الأول من للدعاء ومن لا يكون في قريته معلم فإنه يذهب إلى القرية المجاورة للتأمين بعد المعلم استجلابا للبركة والرحمة والمغفرة.
هناك أدعية كثيرة تقال في أول يوم من رمضان وأبرزها: (اللهم اجعل صيامي بالشكور والقبول على ما ترضى به عن النبي الرسول، وحيدر وزوجته الطاهرة البتول)
كما يقول الإمام بعد مغرب أول يوم ( نويت أصوم يوم غد فرضي عن أداء شهر رمضان المبارك.. وهذه الأدعية تسمى: (الفواتح)، وكما هو واضح فإن هذه الأدعية ذات منحي صوفي استقدمه إلى الأرخبيل بعض من الشباب تلقوا جزءا من العلوم في حضرموت، ولاتزال بعض هذه الأدعية تقال في بعض المساجد.
التهاني:
يتبادل الناس التهاني بقدوم شهر رمضان منذ الأسبوع الأخير من شعبان ومع حلول رمضان وتستمر هذه التهاني إلى آخر يوم من رمضان لتحل بعدها تهاني العيد وأبرز العبارات التي تتردد في التهاني الرمضانية الحمد لله على الوصول، ونسأل الله القبالة أي القبول وباللهجة المحلية (مديدن تان أالله كل وقت) أي مدنا بالعمر الطويل في كل وقت.
صلاة التراويح:
تقام صلاة التراويح بعد صلاة العشاء ويكون عدد ركعات صلاة التراويح ثلاثا وعشرين ركعة تصلى ركعتين ركعتين يجلس الناس بعد كل أربع ركعات استراحة قصيرة يتم خلالها الترضي عن أحد الخلفاء الراشدين ويكون ذلك مرتبا بحسب خلافة كل منهم فيتم الترضي عن أبوبكر الصديق في الاستراحة الأولى بقولهم:( رضي الله عن أبي بكر الصديق) يقولها الإمام ويردد المأمومون بعده بصوت جماعي رضي الله عنه وارضاه، وفي استراحة الأربع التالية يترضون عن الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه والتي بعدها يترضون عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي الأخيرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
في صلاة التراويح يقرأ الأمام عادة السور القصيرة في الركعة الأولى ويردفها بسورة الإخلاص:( قل هو الله أحد...) في الركعة الثانية، ومن ثم بدأ الناس منذ بداية التسعينات وإلى الآن بالقراءة المتسلسلة بحسب ترتيب المصحف ابتداء من البقرة منهم من يختم المصحف مع انتهاء رمضان ومنهم يصل الثلث أو الثلثين بحسب جهده واستجابة المصلين.
كما يبادر الناس قديما إلى النوم مبكرا بعد صلاة التراويح مباشرة حتى يتمكنوا من التفرغ للعبادة، ومازالت تلك العادة في كثير من القرى والمناطق الريفية، أما في المدن فتجد الكثير من الناس يسهرون إلى أوقات متأخرة قد تصل إلى السحور ومنهم من يواصل سهرته إلى الفجر.
تحري ليلة القدر:
في الثلث الأخير من شهر رمضان يستعد الناس لإحياء الأيام العشر الأواخر بغية الظفر بليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر، فيتأهب عامة الناس صغيرهم وكبيرهم والذكور والإناث يهرعون إلى صلاة التراويح، ويلهجون بالدعوات سائلين الله أن يوفقهم ليلة القدر، وقد كانوا يعتقدون قديما أن ليلة القدر تنشق فيها السماء ويظهر منها نور كثيف يضيء الأرض ويأخذون في لوم أنفسهم على غفلتهم وقلة حظهم إذا تمكن منهم النعاس أو انشغلوا بأشياء الهتهم عن رصد هذا النور.
ومن العادات العبادية ختم القرآن حيث يقبل الناس على القرآن يتلونه آناء الليل والنهار فمنهم من يختم كل أسبوع ختمة ومنهم من يقتصر على ختمه واحدة خلال رمضان. وكذا إخراج زكاة الفطر وخاصة في ليلة السابع والعشرين أو التاسع والعشرين، ويحرص الكل على اخراجها حتى من يعطى هذه الزكاة.
ثانيا: العادات الخلقية:
ففي رمضان تبرز كثير من الأخلاق الفاضلة يحرص الناس عليها فتراهم يتبادلون الزيارات ويأخذون العفو ويتفقدون المساكن والضعفة حتى تشعر أنك في مجتمع ملائكي تتمنى فيه أن يكون العام كله رمضان ولعله أحد أسباب ظهور الدعاء الذي مفاده:( ليتك كل العام يا رمضان).
كما تقوم النساء بإرسال أطعمة موائد الإفطار إلى المساجد، بغية الأجر، ويحرص من يفطر في المسجد على التذوق من هذه المواد حتى يحصل أصحاب هذه الموائد على الأجر.
كما يحرص الرجال غالبا على جلب ضيف وقت الإفطار إلى البيت، وفي لم يستطع العثور على أحد يجلب فطوره إلى المسجد أو يقوم بإقناع أحدا من جيرانه واعدا أيه أنه يفطر معه في الغد.
ومن العادات في هذا المجال أيضا القيام بحملة نظافة واسعة في آخر يوم من شعبان يتم فيها تصفية البيوت والشوارع وأفنية البيوت وتجمع القمامة وتحرق في الأودية أو في أماكن مخصصة.
ويقوم بعض الناس ممن عنده القدرة المالية بشراء أواني ومفارش جديدة في رمضان.
ومن أغرب العادات القديمة التي ما زلت أذكرها وما زالت قائمة إلى عهد قريب أنه في العشر الأخير أو في آخر ليلة يتم حلاقة شعر الأولاد الصغار بزعم أن العيد"يبول" على من في رأسه شعر، وهي عبارة اقناعيه تصدرها النساء حتى يتخلصن من كثافة الشعر لدى الأولاد.
ثالثاً: الجانب الغذائي ( المائدة الرمضانية)
في السابق يبدأ الإفطار بالتمر والقوة والماء فقط ومن ثم تطور الأمر فأصبحوا يجلبون إلى جانب ذلك أنواعا من الخبز الصغيرة تشبه البو خمري الحضرمي إلا أن مذاقها مختلف و أنواعا أخرى كالسنبوسة والشفوت وغير ذلك.
وفور العودة من صلاة المغرب تقدم إليك قنينة من حساء شوربة القمح تسلق بالماء مع قليل من اللحم أو التونة أو الصيد، وبعدها تأتي بقية الأطعمة المعتادة وهي إما أن تكون خبزا مع الشاهي أو ومع الفاصوليا أو صانة الخضار وغيره أو الأرز مع الصيد أو الدجاج أو الأرز مع (الروبة) وهو اللبن الذي يخض لمدة ساعة تقريبا لاستخراج الكولسترول، يزداد حموضة مع مضي الوقت، وأحيانا الأرز مع اللحم بالإضافة إلى العصائر والمشروبات المختلفة، ويطلق على هذه الوجبات العشاء وقد تكون قبل صلاة التراويح أو بعدها. كما ويجلس الناس أثناء تناول هذه الوجبات على الأرض.
أما وجبة السحور فهي لا تختلف عن وجبة العشاء كثيرا ويفضل البعض أن تكون أرز مع الروبة أو السمن، والبعض يقتصر على الخبز الباقي من وجبة العشاء مع الشاي بعدها يتناول كأسا من الماء أو العصير، وبذلك يصبح صائما.
المقال خاص بموقع "المهرية نت"