آخر الأخبار
العوامل النفسية والتغيير
يجب أن نعترف أننا تعرضنا لسلطات ظلمت وبغت , ونثرت فتن لا حدود لها , تتحمل كل التراكمات منذ الاستقلال 1967م .
كان قدرنا بمفتن و فتان , هو ذلك الحاكم الظالم الفاسد الذي أفسد المؤسسات , وولد بمشاعره ومزاجه الحقد والكراهية , ودفع الناس ليكفروا بالهوية , و لجأوا للهويات الصغيرة , طائفية مناطقية , بل بعضهم ذهب للبحث عن هوية أخرى , ووقع ضحية مصيدة الاستعمار التي أعدها وسواها وشكلها و نمقها لتكن جاذب لأمثاله من الهاربين من هويتهم نتيجة لظلم جائر ساهموا بشكل أو آخر في صناعته.
اليوم نقطف ثمار تناوب سلطات , توهمت بالاستئثار والاستحواذ بالسلطة والثروة , واجتثاث كل من يعارضها , ويقف في طريقها , وهم دفع بالأخرين للدفاع عن حقهم بالحياة , وبالتالي تعددت وسائل العنف , وأنتجت صراعات سلبية , زادت من حجم التراكمات والقهر والتعسف والإقصاء والتهميش ,وتناوب على سلطتنا منتصر ومهزوم , و طفحت للسطح ثقافة الكراهية والاحقاد والثأرات.
تجربة مريرة , تحتاج لدراسة عميقة , ما حصل لم يكن بمنأى عن الصراع الإقليمي والدولي على المنطقة , وبحكم موقعنا الاستراتيجي وما تملكه البلاد من مقومات , ما في باطن الأرض وعلى سطحها وبحرها وانسانها ومناخها وجبالها وهضابها وصحاريها وجزرها , وإرثها الإنساني والحضاري , وما تملكه من تجارب تجعلها تتفوق في كل المجالات ,السياسية والتنموية , وبناء مشروع الدولة والديمقراطية , تجارب الانتخابات البرلمانية والرئاسية والسلطات المحلية , رغم الشوائب تجارب يمكن تنميتها وإصلاح بنيتها , رآها الطامعون بعين المنافسة أنها تشكل خطرا على مصالحهم , ومصالح سلطتهم .
أحيانا قد نعذر ممن وقع فريسة لتلك الفتن , و وجد نفسه يدافع عن قبيلته وعشيرته بعناوين مختلفة , و يستبسل بكل الطرق العفنة , لتحكم طائفته أو منطقته البلد والناس , والبقية محكومين , يسوق لذلك متقمص دور الضحية , مرددا مصفوفه من المبررات الواهية , مما يظهر الوجه البشع المتأثر بأمراض والانعكاسات النفسية لتلك الحقبة , ويضع الجميع تحت ميكروسكوب مزاجه , حتى رفاق جبهة النضال حينها , يفتش عن النوايا ويصدر الأحكام الجائرة , والتهم والتصنيفات , يدخل في وحل من الانتهاكات , ويجد نفسه في مواجهة حقيقية مع الناس والقدر.
حتى لو عذرناه , فهو عذر مؤقت , فترة اختبار هل سيقدم مثالا يرضي الناس , أم أنه نهى عن أشياء وأتى بمثلها , وصار عارا على الناس وعلى نفسه , و مع مرور الوقت تكشفت العورات , و تضيق الدائرة من حوله , و ينفر الناس لتصطف ضده , و يتكالب عليه أصحاب الحق , وبالتالي لا مجال لاستمرار العذر , فقد اتضحت الحقيقة , وإذا به نسخه قذرة من ماضيه , وتبقى النفوس السيئة والخبيثة هي التي ترفض الاعتراف بأخطائها , ممن ماتت ضمائرهم , وارتاحت نفوسهم للحرام وانتهاك حرمة حياة الآخرين , ومعهم عدد ممن يقتاتون من فتات فسادهم و يتسلطون على ضلال نفوذهم وطغيانهم , من خدام المستبدين وحراس الظالمين .
هنا أصبح جهاد هؤلاء فرضا وطنيا وإنسانيا واجبا على كل حر لا يقبل الظلم والقهر , يرفض انتهاك حرمة حياة الاخرين وامتهان كرامتهم .
ما يسوق اليوم من مبررات انتهت بانتهاء النظام , وماتت بموته ,ومن مات فالله يتولاه بعقابه وحسابه , ولا يتحمل الناس مالات سياساته ومخلفاته , حتى يطلب منهم ان يتحملوا نتائج سياسات منظومته وتداعياتها لدى نفسيات المتضررين منها .
الإنسان كائن ذو مشاعر واحاسيس , يتغير وفق المرحلة ويتطور مع تطورات واحتياجات العصر , ومن يبقى غارق كضحية في مرحلة من الزمن , والعصر والمرحلة تتجاوزه , عليه ان يبحث عن طبيب نفسي يعالج حالته النفسية , ويترك الناس يشقون طريقهم ليلحقوا بالعالم المحترم ليكونوا امة محترمة تحترم حق الآخرين في الحياة .
اعتقد أننا اليوم بأمس الحاجة لان نعرض قياداتنا على طبيب نفسى يحلل حالتهم النفسية , ويقدم لهم شهادة صحية عن قدراتهم وخلو نفسيتهم من مؤثرات الماضي السيء , حتى يثبتوا انهم مؤهلين ليكونوا في مستوى حدث التحول السياسي , وقادرين على صناعة تغيير حقيقي يخرجنا من نفق الماضي وعفنه , والله على ما أقول شهيد.
المقال خاص بموقع المهرية نت