آخر الأخبار

الآثار المتبادلة للهجرة اليمنية  في القرن العشرين وبعض أعلامها المنسيين

الأحد, 17 يناير, 2021

على مدى عام كامل بقينا ، مجموعة من أساتذتي الأفاضل من المؤرخين وعلماء الاجتماع والاعلام والثقافة والفن والسياسة وأنا، نعمل في مشروع  ثقافي وحضاري  يدرس ظاهرة الهجرة اليمنية وتأثيراتها المتبادلة خلال القرن العشرين، بمبادرة من رجل الأعمال المثقف والانسان علوان سعيد الشيباني.


هذا العمل فتح أمامي صفحة منسية من تاريخ اليمنيين المعاصر ، ومنها أدوار رائدة قام بها مجموعة من المهاجرين الأوائل،  خدمت موطنهم الأم ، وكذا الأوطان البديلة التي قادتهم إليها أسفار الهجرة، دون أن يُلتفت إليها بشكل كافٍ.

 في انطلاق المشروع في ديسمبر2019  أعددت مدخلاً قرائياً للحالة ،بوصفي منسقاً للمشروع ، أشرت فيه إلى ثمة " عوامل  متعددة اجتماعية و اقتصادية و ثقافية و سياسية،  بسببها تشتت ملايين اليمنيين  في دول الجوار ،وشرق افريقيا ،وجنوب شرق اسيا، وموانئ أوروبا وأمريكا . وعلى مدى سنوات وعقود طويلة ظهر بين هؤلاء العشرات من رجال الأعمال والمثقفين والفنانين  والتقنيين ورجال الدين والعمالة الماهرة، الذين كان لهم الاثر الواضح كمساهمين في النهضة الاقتصادية والثقافية  والاجتماعية  للدول التي هاجروا إليها، وعملوا في الوقت ذاته على نقل الكثير من مظاهر الحياة العصرية والتمدن  الى بلدهم الأصلي ،الذي عانى ، لظروف سياسية  واقتصادية بالغة التعقيد، لحقب من الانكفاء والانغلاق.

ولأسباب  مقصودة أو غير مقصودة   تم تجاهل ، و طمر هذه الاسهامات الايجابية ، وبدلاً عنها تم تضخيم الصورة السلبية عن اليمن و اليمنيين في هذه البلدان، والتي آن الأوان لإجلاء حقيقتها.

لدينا من إرث الهجرة والاغتراب واسهامات المهاجرين الأوائل ما يجعلنا نطمئن الى فعالية  ونشاط علاقتنا كيمنيين، و من أجيال مختلفة  بالجغرافيا والتاريخ معاً، والتي غدت مع مرور الوقت  هي الفاعل في هويتنا الحضارية، التي ينبغي الاستناد إليها حين نبحث عن السؤال الكبير من نحن، وماذا صنعنا ؟ .

تقول لنا المرويات والدراسات التاريخية  مثلا  أن أول صحيفة تنسب الى اليمنيين  كان اسمها (الوطن) وأصدرها مهاجر حضرمي اسمه حسن علوي بن شهاب  هناك في " سنغافورة"  قبل عقدين كاملين من اصدار الإمام يحي في صنعاء  لجريدته الرسمية (الايمان ) في 1926 ،وقبل أزيد من  ثلاثة عقود  من اصدار محمد علي لقمان جريدة (فتاة الجزيرة) في عدن في العام 1940 .

تقول الدراسات أيضا  أن أول عمل سردي يمني أصدره المهاجر في جاوة الإندونيسية  أحمد عبدالله السقاف بعنوان( فتاة قاروت)  في العام 1927، وقبل أزيد من عقد من الزمن  من صدور رواية (سعيد ) مسلسلة في  جريدة فتاة الجزيرة  عام 1940.
لن تمحي من ذاكرة التاريخ الفكري اسهامات المفكرة ( أبكار السقاف)   الفلسفية والمعرفية في قاهرة الأربعينات، حين كان صالونها الثقافي ملتقى لكبار الأدباء والمثقفين، وكان قلمها من أشجع المدافعين عن العقل، ونتاج الحضارة العقلاني، حيث كانت تكتب سلسلة تحت عنوان نحو آفاق أوسع، وفيه نشرت كتابها الدين في شبه الجزيرة العربية الذي ينظر إليه بوصفه " بنيان نقدي ومعرفي لتلك الحقبة ورصد لتطور الفكر الديني عند العرب ، وتعليل لما تلاها  حتى يومنا هذا".

يدين الشعر الحديث في اليمن كثيرا للراحل الكبير "محمد انعم غالب" الذي كتب نصوصه الباكرة أواخر الأربعينات ، ومنها نصوص ديوانه (غريب على الطريق ) الذي طرق موضوع المهاجر اليمني وتشتته ومعاناته في الاصقاع، في أول مقاربة شعرية لموضوع اجتماعي وثقافي ارتبط بالإنسان اليمني، الذي وجد في الهجرة سبيلا لتجاوز ظروف القهر التي يعيشها في البلد الفقير والمتخلف.

كتاب ( الانَّة الأولى ) الذي أصدره الأستاذ  أحمد محمد نعمان وهو طالب في الازهر أواخر الثلاثينات، وكان عبارة عن رسالة طويلة موجهة لولي العهد، تبيِّن مظلومية فلاح وإنسان  اليمن الأسفل من استبداد العسكري والحاكم، وكيف أدى هذ الظلم الى ترك الكثير منهم الأرض والأهل ، وركبوا البحر بحثاً مواطن آمنة في القارات الخمس.
حين تكشف للمهاجرين الأوائل في شرق القارة الافريقية إن فعل التغيير الثوري في اليمن المنغلق والمظلوم والفقير يبدأ بالكلمة  قاموا بشراء مطبعة لإصدار صحيفة ( صوت اليمن ) و مطبوعات الأحرار في عدن  أواسط الأربعينيات، فكان ذلك  بمثابة الأثر المؤسس لفعل التغيير ، لهذا عمل الإمام أحمد  تاليا على شرائها، من أجل طمس مرموزها في تاريخ حركة الاحرار ،وتاريخ المعارضة السياسية ، التي ارادات ان يكون لليمن موقعه تحت الشمس، وكانت أموال المهاجرين وحماسهم  رافعة هذ الفعل.

هذه فقط نماذج بسيطة جدا من  داخل المعطى الثقافي في سفر الهجرة الطويل. أما في الجانب الاقتصادي فالأمر  ذا تأثير اشمل وأوسع في حجمه و امتداداته  واعلامه، ومن الصعوبة بمكان الاحاطة بكل تفريعاته الزمانية والمكانية، مهما كتب في ذلك  . ويكفي للتدليل ان اليمنيين كرؤوس اموال وعمالة ماهرة نهضت على مبذولاتهم  البنية التحتية لبلدان الجوار، وكان لتحويلاتهم المالية طيلة عقدي السبعينيات والثمانينيات الاثر الواضح في عملية التنمية التي شهدها الداخل اليمني، قبل ان يلعب الافساد السياسي الدور السلبي في اجهاض عملية التراكم .

 وما أحدثه فنانون ومفكرون وسياسيون يمنيون  ارتبط حضورهم بالتاريخ المعاصر لدول الجوار، وفي شرق أفريقيا  والأرخبيل الهندي ،أمر لا يمكن  إهماله او القفز عليه ، ومن حقهم علينا أن نطرق المهمل في تجاربهم  وسيرهم الناصعة ، من زاوية الأثر الذي أحدثوه في مسيرة البلدان التي استوطنوها.

  وهنا ساعرض لبعض سير المهاجرين الذين همشت أدوارهم وتأثيراتهم  تلك ومنها  سيرة حسين شمسان صالح المقطري التي أعدها  نجله الأكبر عبد الوارث حسين شمسان.

ولد المهاجر حسين شمسان  في قرية العيرة بالمقاطرة التابعة للواء تعز  في عام 1922، وترعرع في كنف أسرته، وانتقل يافعاً إلى منطقة الأصابح عند أخواله ، وهناك تعلم مهنة البناء وعمل معهم في هذا المجال مما ساعده ذلك لاحقاً الانتقال والسفر إلى عدن حيث كانت وجهة أبناء الحجرية واليمن عموماً ، وقد بقي في عدن لفترة يعمل فيها أشهراً ويعود إلى القرية.. عمل خلالها في أنشطة عديدة أبرزها العمل في مهنة البناء ، وفي عدن تكونت لديه فكرة السفر إلى الحبشة وكانت هجرته إلى الحبشة بعد بقائه فترة في منطقة بربره- الصومال البريطاني آنذاك- وذلك حوالي 1936 ميلادية .

دخل الحبشة في عام 1936 ومارس أعمال البناء،  ثم عمل في مشروع سكة الحديد الذي يمتد من أديس أبابا إلى دري داوا ، وهو المشروع الذي أستكمل لاحقاً إلى ميناء جيبوتي، وكان يعمل في مشروع سكة الحديد كرئيس دورية . في أديس أبابا العاصمة اشتغل لاحقا في التجارة والتي بدأها  بالمواد الغذائية مما ساعده في بناء علاقات جيدة مع المقيمين من اليونانيين والإيطاليين وآخرين من المتواجدين في أرض إثيوبيا؛ الأمر الذي جعله من كبار التجار وتحديدا في تجارة السمن في تلك الفترة المبكرة ، ثم انتقل إلى التجارة العامة حيث أصبحت تجارته تتسع عاما بعد آخر فامتدت تجارته إلى أعمال  الاستيراد من عدن إلى العاصمة أديس أبابا وذلك بعد ان توسعت أعماله فارتبط نشاطه عبر البحر والبر ومن خلال شركة الطيران شركة الخطوط الجوية العدنية (ADEN AIRWAYS). وأصبح من خلال نشاطه التجاري الواسع من أكبر عملاء وزبائن شركة الخطوط الجوية العدنية (ADEN AIRWAYS) حيث نقل البضائع جوا من عدن إلى أديس أبابا وفي تلك الفترة كانت عدن مركزا تجاريا دوليا مما جعل نشاطه هذا محط اهتمام كبير من شركة الخطوط الجوية العدنية فمن ضمن سياسة الشركة تقوم بوضع كبار أسماء زبائنها في قائمة ولافتة الشركة بالحروف الكبيرة وبالبنط الكبير تأكيدا لأهمية هؤلاء التجار في نشاط شركة الخطوط الجوية العدنية .

تطورت أعماله وبدأ بالاستيراد من الخارج وتحديدا من الهند والصين وسوريا وسويسرا كانت هذه أبرز الدول الت يتعامل معها حتى أصبح من كبار التجار في الحبشة، وقد كان يحمل الرخصة التجارية من فئة رقم "1" في عموم إثيوبيا . ومن خلال توسع أعماله الناجحة في تلك الفترة تمكن من خلق علاقات متميزة مع جهات عديدة في الدولة وكانت لديه أيضا علاقات تجارية مع كبار تجار الأجانب المقيمين في الحبشة الذين يحملون الجنسيات الإيطالية والأرمينية والهندية. هذه العلاقات التجارية ساعدته كثيرا في إقامة شراكة مباشرة معهم شملت هذه العلاقة الشراكة ا أنشطة تجارية متنوعة منها  تجارة الحبوب والأقمشة والأحذية وسلع أخرى كانت ذات أهمية في الحبشة في تلك الفترة .

 عاد من الحبشة في العام 1970 ، وتوفي في مدينة جدة في العام1998 .

 المقال خاص بموقع المهرية نت

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023