آخر الأخبار
تسليم المهرة إلى سلفية المخابرات
لم يشفع للمهرة موقعها البعيد عن الصراعات الداخلية في اليمن، ولم يشفع لأهلها انعزالهم عن المشاركة بأي معارك مع طرف ضد آخر، فحين لم تذهب المهرة إلى الفتنة أتتها إلى عقر الدار على هيئة مجموعات قاصية عن السرب اليمني، تحمل أفكارًا تعادي الجميع.
المهرة التي ظلت لسنوات رمزاً للتعايش والسلام، تواجه اليوم خطرًا حقيقيًا يتمثل في محاولة فرض فكر تكفيري متطرف، ينتمي إلى مدرسة فكرية تقسيمية، ترفض الآخر وتعتبر كل من يخالفها في الرأي خارجًا عن الإسلام.
التيار "المتطرف فكريًا" من أتباع المدرسة "المدخلية الجامية" الجامدة في آرائها اتسع في المهرة على حين غفلة وسط انشغال البلد بصراعاته الكثيرة، ويتصدره في المهرة "عبد الله بن سديف الجدحي" في الجانب العسكري، و"عبد الحميد الزعكري الحجوري" في الجانب الدعوي، وهو لا يرى في الآخرين سوى أنَّهم ضالين ومبتدعين، بل ويصل به الأمر إلى تكفير جماعات إسلامية واسعة وتبديعهم بما في ذلك حتى التيارات السلفية المعتدلة.
هذا الفكر التكفيري، إذا ما سيطر على المهرة، لن يقتصر تأثيره على الجانب الدعوي، بل سيمتد إلى تفكيك النسيج الاجتماعي، حيث سيتم تصنيف الناس إلى "أتباع" و"مرتدين"، ما سيصنع فرقة وصراعات داخلية قد تصل إلى حد الاقتتال.
الخطر المتنامي في طريقه لجعل المهرة بؤرة صراع جديدة في اليمن قد يمتد تأثيرها نحو الجوار، وبالأخص سلطنة عُمان، إذ أنَّهم يعتبرون السلطنة إباضية "خوارج" قتلهم وقتالهم من بين أعظم القربات، وهو ما يجعلها في مرمى نيرانهم إذا ما تمت السيطرة على المهرة.
بيَّنَّا كثيرًا من تفاصيل هذا التيار وأفكاره وكيفية تكوينه وأماكن امتداده من خلال حملات إعلامية بعنوان #سلفية_المخابرات.
ويعتبر هذا التيار أشبه بجهاز مخابراتي ولاؤه الأعظم للمملكة، ويعمل كيَدٍ متوغلة في المجتمعات والجماعات الإسلامية، تساهم في قمع كل ما يخالفه أو يخالف الحاكم.
لا يرى هذا التيار في القضايا المركزية للأمة كالقضية الفلسطينية أولوية، بل يعتبر القتال فيها "فتنة"، وفي المقابل ينخرطون بشراسة في صراعات إقليمية، كالقتال في ليبيا والسودان وغيرها.
إنَّ وجود هذا التيار بأفكاره وأفعاله وولاءاته في المهرة خاصة واليمن عامة يخدم الأجندات الخارجية "السعودية والإماراتية" الساعية إلى إعادة تشكيل الواقع اليمني بما يضمن مصالحها.
بناء مراكز دعوية وعسكرية لهذا التيار في المهرة ليس سوى جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف اليمن أكثر، وتحويله إلى ساحة للصراعات بالوكالة.
على العقلاء في المهرة وبقية اليمن أن يدركوا خطورة الخطوات التي تتم في المهرة، وأن يعملوا على تعزيز روح الاعتدال والتعايش، ونبذ خطاب التكفير والتطرف، فالحرية الفكرية مكفولة للجميع، ولكنها لا تعني إلغاء الآخر أو تكفيره.
على الجميع دعم الوحدات الأمنية والجيش اليمني، والعمل على تعزيز الأمن والاستقرار في المهرة، دون السماح لأجندات خارجية أن تفرق بين أبناء الوطن الواحد.
تسليم المهرة لسلفية المخابرات ليس مجرد تغيير في التحالفات المحلية، بل هو عملية ممنهجة تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وإشعال الفتنة.
العداوة ليست شخصية، وحتى لا يصطاد أحد في الماء العكر، فنحن لا نحارب تعاليم ديننا، أو نحارب النشر الدعوي المعتدل، ولكننا نحارب الفكرة الضالة المضلة التي تلغي الآخر وتخدم الخارج وتضر بلدنا وأهلنا.