آخر الأخبار
معلمو اليمن في يومهم العالمي.. قصص من واقع مأساوي
مظاهرة سابقة لمعلمات يمنيات
الإثنين, 05 أكتوبر, 2020 - 11:58 مساءً
"من علمني حرفاً كنت له عبداً"، لا يوجد أحد ستلتقي به وتسأله عن دور المعلم وفضله على المجتمع إلا ويسوق لك تلك العبارة، لكن حال المعلم اليوم في اليمن مثير للحزن نتيجة التهميش والحرب التي تبدو وكأنها ممنهجة ضد المعلم والتعليم.
فالقصص التي تروى حول حياة المعلمين من قطع لمرتباتهم منذ سنوات – يشكو المعلمون في مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية من عدم تسلمهم المرتبات منذ أكثر من ثلاث سنوات - ولجوء بعضهم للعمل في مهن شاقة لسد احتياجات أسرهم، وصولاً إلى تلك الأخبار التي تتحدث عن معلمين فضلوا الانتحار بعد أن ضاقت الحياة بهم.
ورغم أن وضع المعلم كان متدهوراً قبل الحرب إلا أنه أصبح بعدها مأساوياً.. ما جعل الكثيرين منهم يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تقف وراء ذلك التجاهل والتهميش من قبل الحكومات المتعاقبة.
رواتب لا تكفي
مالك هزاع مدرس الكيمياء بمدرسة الميثاق إحدى أكبر مدارس محافظة مارب يقول للمهرية نت: "نعاني كمعلمين من الكثير من المشاكل أبرزها انهيار سعر العملة المحلية وانعكاس ذلك على الأسعار إذ تضاعفت بطريقة كبيرة رغم أن راتب المعلم لا يزال كما هو منذ سنوات طويلة".
ويتحدث هزاع عن صعوبة تنقل المدرسين بين المحافظات "فعلى سبيل المثال لم يستطع الكثير من المعلمين الوصول إلى مارب نتيجة ارتفاع أجرة المواصلات خاصة مع تفاقم أزمات المشتقات النفطية، كذلك التعسفات التي تعترضهم أثناء سفرهم سواء أثناء مرورهم عبر النقاط الحوثية أو نقاط المجلس الانتقالي، وقد يتعرض بعضهم للاعتقال التعسفي والمضايقات، حتى أن بعضهم بات يفكر بترك وظيفة التعليم رغم أن معظم سني حياته قضاها في سلك التعليم، لكن عندما نتواصل مع بعض زملاءنا يقولون لنا لا جدوى نريد أن نبحث عن عمل آخر وترك هذه الوظيفة".
وحينما كنا نتحدث مع هزاع كان عدد من الطلاب يتحلقون حولنا فعلق على ذلك قائلاً لـ "المهرية نت": "كما ترون معظم الطلاب خارج الفصول.. كل ما يحضرونه مجرد حصة أو حصتين، ثم يخرجوا للساحات للعب، كانت مدرستنا (الميثاق بمارب) معروفة بالريادة والمنافسة على مستوى الجمهورية.. وكانت تحتل مراتب متقدمة على المستوى الوطني سواء بالمسابقات التعليمية أو الثقافية أو مجال الابتكارات والاختراعات لكنها اليوم أصبحت من المدارس العادية ذات المستوى المتدني".
استهداف حوثي
اصطحبنا هزاع إلى معمل الكيمياء والأحياء في المدرسة، يقول للمهرية نت: "حصلنا في المدرسة على معامل متطورة بجهد شخصي، معامل ليست موجودة حتى في الجامعة المحلية، لكن للأسف نتيجة للصاروخ الذي استهدف المدرسة مؤخراً تهشم الزجاج وتأثرت الكثير من الأدوات نتيجة القصف الحوثي".
وتعرضت مدرسة الميثاق النموذجية للبنين بمدينة مارب لقصف ميليشيا الحوثي أثناء حفل إيقاد شعلة الـ58 لثورة الـ 26 سبتمبر القريب منها، والذي نظمته السلطة المحلية وحضره مسؤولون ووزراء، وتأثر المعمل وكافتيريا المدرسة، ومازالت آثار شظايا الصاروخ واضحة على الحائط الخارجي للمدرسة.
نزوح الطلاب
الأستاذ لطفي محمد فارع معلم لغة إنجليزية يقول للمهرية نت: "تسببت حرب الميليشيا الحوثية الأخيرة على الجوف ومديريات في الحدود الجنوبية لمارب بتدفق المزيد من النازحين إلى المدينة ما أدى إلى تكدس أعداد الطلاب حتى أن بعضهم يجلس في النافذة أو في الممرات لأن المقاعد امتلئت ولم يعد هناك مجال للمزيد من الطلاب".
والتحق أبناء هؤلاء النازحين بالمدرسة التي يعمل فيها فارع رغم عدم وجود فصول دراسية كافية للمزيد من الطلاب وعدم وجود معلمين يغطون احتياجات الطلاب كاملة، بالإضافة إلى قلة الكتب فمعظم الطلاب للأسبوع الثالث على التوالي لا يوجد لديهم كتب كاملة.
وكانت السلطة المحلية بمحافظة مارب قد أعلنت في وقت سابق طباعتها مليونًا ومائتي ألف كتاب قبل بداية العام الدراسي الحالي، لكن تربيون قالوا لـ "المهرية نت": "إن هذا العدد لا يكفي بالمقارنة مع أعداد الطلاب النازحين من مناطق عدة في المحافظة".
بينما ذكر مسؤولون في مكتب التربية والتعليم أن طباعة المناهج لم تكتمل بعد وأن ما وُزع للطلاب جزء من المقررات المطلوبة وأن باقي المنهج سيكتمل توزيعه خلال الأيام القادمة.
ويواصل فارع حديثه لـ "المهرية نت": "لا توجد علاوات ولا حوافر ولا بدلات سفر أو بدل صحة أو بدل مخاطر أصبح المعلم أقل الفئات الاجتماعية دخلاً". كما ناشد الحكومة الشرعية بالنظر بعين المسؤولية للمعلمين خاصة أولئك الذين يتنقلون بين المحافظات حتى يصلوا إلى المدارس التي يعملوا فيها، "لدينا نفقات هنا ونفقات لأهلنا يجب على السلطة المحلية بمحافظة مارب - على الأقل – أن تقوم بما قامت به السلطة المحلية بمحافظة شبوة حيث أمر محمد بن عديو محافظ شبوة بصرف مرتبين لكل موظف في المحافظة، ونحن نخاطب السلطات المحلية أن يبادروا لذلك".
معاناة السكن
ويعاني كثير من المعلمين من صعوبة إيجاد السكن فمعظم الموجودين في المدرسة التي يعمل فيها فارع مهددون بالطرد إلى الشارع بسبب ارتفاع قيمة الإيجار حيث تزداد بمعدل 10 آلاف ريال سنوياً، ورغم أن راتب المعلم 50 أو 60 ألف، فإن الإيجار قد يصل إلى 100 الف ريال، ولذا يضطر بعض المدرسين للعمل في الفترتين الصباحية والمسائية بينما يلجأ البعض للسكن داخل المدرسة، وتمنى الأستاذ لطفي فارع أن تبني السلطة المحلية سكناً خاصاً بالمعلمين في إحدى جنبات المدرسة.
عمولات مرتفعة
الأخصائي الاجتماعي فيصل حجر من أبناء محافظة إب يشكو أيضاً من عدم كفاية مرتبه الذي لا يتجاوز 60 ألف ريال شهرياً لسد احتياجاته وأسرته، "رغم الوعود التي أطلقها مجلس الوزراء العام الماضي لتحسين مرتباتنا إلا أننا لم نحصل على أي إضافات تعيننا على مواجهة غلاء المعيشة".
ويشكو حجر من ارتفاع قيمة الحوالات المالية من مناطق الشرعية إلى مناطق تسيطر عليها ميليشيا الحوثي "أستلم ستين ألفاً وحينما أرسلها عبر محلات الصرافة يخصمون أكثر من 30 بالمائة منها".
الحرب فُرضت علينا، ووضع المعلم مع غلاء الأسعار أصبح مزرياً ومن حيث المواصلات كنت أسافر إلى صنعاء بألفي ريال واليوم أسافر بخمسة عشر ألف ريال. كنت في عام 2010 أستلم حوالي 300 دولار أمريكي بينما اليوم لا يتجاوز ما أحصل عليه المائة.
بوادر طوعية
أم محمد معلمة نزحت من منطقة أرحب عام 2018م إلى مخيم الميل بمحافظة مارب تطوعت هذا العام لتعليم أبناء المخيم في مدرسة هي عبارة عن مجموعة من الخيام، ورغم ظروف حياتها القاسية إلا أنها تساهم في هذه الخدمة "حتى لا ينشئ جيل جديد بعيداً عن المدرسة".
ورغم أن أم محمد لا تحصل سوى على مقابل زهيد "يأتي أحياناً ويغيب كثيراً" إلا أن لديها الرغبة كي تستمر في رسالتها.