آخر الأخبار
الإيجارات في اليمن.. مأساة مستمرة فاقمتها الحرب وطمع المؤجرين (تقرير خاص)
مدينة تعز - تصوير أنس الحاج
الأحد, 26 ديسمبر, 2021 - 09:33 صباحاً
"سيتم رفع إيجار الشقة إلى 70 ألف من بداية العام" رسالة مفاجأة وصلت نادية "اسم مستعار" من مالك العمارة التي تسكن فيها رفقة ابنتها وأختيها، أربكت حساباتها، وفتحت في صدرها وديانا من الهم والغم، ونكأت جراح النزوح ومعاناة التنقلات.
تقول نادية لـ "المهرية نت" : " نزحنا من منطقة الجحملية في تعز بعد أن أخرجونا جماعات مسلحة للتمترس في سطح منزلنا وكانت صنعاء مقصدنا الوحيد لوجود بعض الأهل فيها".
رحلة شاقة من البحث الطويل عن شقة في صنعاء تناسب حالة نادية الاقتصادية، كانت خلالها في منازل أقاربها، وانتهى بها المطاف في شقة بأحد الأحياء الجنوبية للعاصمة ، قبلت بها رغم بعدها عن سكن أقاربها، فهي أفضل الموجود، حسب قولها.
لا تملك دخلا وليس لها أحد يتكفل بإيجار شقتها، تقول نادية "كنا نجمع الايجار من أهل الخير من معارفنا وأهلنا ممن يعرفون بحالنا وكان وقتها 30 ألف، وبعد سنة تقريبا رفع صاحب العمارة الايجار إلى 40ألف وكان المبلغ ثقيل جدا علينا وترجيناه وحاولنا معه بكل الوسائل لكنه رفض وأصر على الرفع".
"بعد سنة فقط رفع الإيجار إلى 50 ألف ريال وتكلمت معه وأخبرته بأننا نساء ولا نملك من يعولنا وأن الإيجار نحصل عليه من أهل الخير وكان رده بكل عنجهية عجبك وإلا دوري لك بيت وصبرنا وكان لا يعلم بحالنا إلا الله" تقول نادية.
وأضافت "نظل لا نشتم ريحة الطبخ في منزلنا لأيام دون رحمة من صاحب العمارة أو التفاتة لحالنا وحال الكثير ممن كان يسكن معنا في نفس العمارة إلى قبل انتهاء السنة الحالية بشهر يرسل لنا رسائل برفع الايجار إلى 70ألف".
وتؤكد "كانت الرسالة بمثابة كارثة فأنا أجمع المبلغ الاول من هنا وهنا فكيف بالـ70 وبعدها يرسل لنا بانة إن لم ندفع المبلغ المطلوب علينا اخلاء الشقة في أقرب وقت وقلنا له اين نذهب قال مالي دخل"
إبرة في كومة قش
مشكلة الإيجارات واحدة من أعقد المشاكل التي تواجه اليمنيين خلال الحرب المستمرة منذ 2015، حيث تشهد مناطق الصراع نزوحا جماعيا باتجاه المناطق الآمنة، الأمر الذي سبب أزمة سكن حادة في مختلف المحافظات اليمنية.
في حديثه لـ "المهرية نت" يقول الصحفي أحمد مكيبر " انتهى العام وأطالب بعقد جديد لكن المؤجر رافض تجديد العقد إلا بزيادة سيبلغني بها في شهر 1 من العام الجديد"
ولفت مكيبر إلى أن "نسبة كبيرة من أبناء تعز فروا من مناطق الاشتباكات وتركو منازلهم ووصلوا إلى الأحياء الآمنة في مدينة تعز وهذا سبب دفع مالكي البيوت لرفع الإيجارات".
وبحسب مكيبر فإن "تدني سعر العملة الوطنية سببا أخر في فتح شهية المؤجرين برفع الإيجارات، حيث أصبح المؤجر يرى بأن الـ50 أو الـ60 قليلة في حقه".
وأشار مكيبر إلى أن بعض مالكي البيوت طالبوا بدفع الإيجارات بالريال السعودي، تماشيا مع التعاملات المالية الجديدة في بعض القطاعات التجارية.
وأكد مكيبر أن محاكم تعز وأقسام الشرطة مكتظة بالشكاوى اليومية بشأن الإيجارات، غير أن أقسام الشرطة تتدخل لصالح مالكي البيوت حسب قوله.
"أصبح البحث عن شقة للإيجار كمن يبحث عن إبرة في كومة من القش" يقول وليد الشميري، الذي يعمل وإخوته الثلاثة لسداد إيجار بيت صغير، في مدينة تعز.
في حديثة لـ "المهرية نت" يقول الشميري " ظللنا نبحث أنا وإخوتي ثلاثة أشهر متواصلة عن بيت للإيجار في مدينة تعز، المدينة التي عشنا فيها سنين عمرنا وسط كثافة سكانية كبيرة وارتفاع جنوني في أسعار الإيجارات".
وأضاف الشميري "اليوم وبعد ثلاثة أشهر وجدنا بيتا صغيراً من غرفتين ندفع إيجاره 90 ألف ريال يمني، وبالكاد تكفي رواتبنا التي ندخرها أنا وأخوتي لجمع قيمة الإيجار الشهري".
ولفت الشميري إلى أن "الحصار المفروض على المدينة جمع السكان في إطار محدود من المدينة، وتوقفت الحياة في أحياء عديدة بسبب وقوعها في مناطق التماس المسلح".
وأكد أن "هذه الأمور ضاعفت كثيراً من معاناتنا، وزاد من تلك المعاناة أن مالكي البيوت فرضوا أسعاراً باهظة مقابل إيجارات الشقق".
حبر على ورق
وأصدر مجلس النواب الخاضع لسيطرة ميليشيا الحوثي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قانونا بتعديل بعض مواد قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وشملت التعديلات استثناء من الأحكام الواردة في هذا الفصل في حالة الظروف الاستثنائية العامة كالحرب والحصار وترتب عليها النزوح وضعف الدخل أو انقطاعه تطبق أحكام هذه الفقرات بما يكفل حماية المستأجرين وفقاً لشروط العقد المتقابلة بين المؤجر والمستأجر".
ونصت الفقرة الأولى في التعديل على أن "تظل عقود الإيجار للعقارات المؤجرة للسكن سارية خلال فترة الظروف الاستثنائية وتمدد تلقائياً بقوة القانون بشروطها الأولى وبالأجرة السابقة".
كما نصت الفقرة الثانية على "في حالة عدم الوفاء بأجرة العين المؤجرة يجوز للمؤجر طلب إخلائها ما لم يقدم المستأجر الضمانات الكافية للوفاء بالأجرة"
وحظرت التعديلات "تأجير العين المعدة للسكن ابتداءً بزيادة على أجرة المثل"
وأعطت التعديلات القانونية المتخاصمين في قضايا الإيجارات الأولوية في المحاكم الابتدائية في أمانة العاصمة وعواصم المحافظات والمديريات "على وجه الاستعجال".
ويرى المحامي والمستشار القانوني وضاح القادري أن "التعديلات الجديدة على قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر جاءت استثناء لمراعاة الظروف القائمة فقط وليست دائمة ومستمرة وهذا عيب تشريعي لكون القوانيين لازم أن تتصف بالديمومة والاستمرارية وليس بالتوقيت إلا كاستثناء فقط".
وأضاف القادري خلال حديثه لـ "المهرية نت" "أما بالنسبة لوضع تلك التعديلات موضع التطبيق فلست متفائلا بذلك إلى حد كبير كون الحلقة الاضعف في المعادلة هو المستأجر ونتيجة لغياب الوعي القانوني لدي الكثير من أبناء المجتمع فلن تمثل تلك التعديلات أي إعاقة أمام المؤجرين في رفع الايجارات أو اخراج المستأجر من العين المؤجرة عملا بالمثل الشعبي (من قال حقي غلب)".
ولفت القادري إلى أن أغلب مالكي العقارات "هم من المسؤولين والتجار وأصحاب النفوذ وهم كالعادة لن تطالهم المحاسبة عن أي تجاوز للتعديلات محل تعليقنا هذا"
وأشار إلى "أن النزوح الكثير من سكان المحافظات الأخرى الي صنعاء والاقبال المتزايد على طلب الشقق السكنية بكثرة يجعلها تخضع لقانون العرض والطلب وهو المشاهد والملاحظ عن قرب مما يجعل تلك التعديلات ليست سوى حبرا علي ورق".
قرارات دعائية
من جانبه أصدر محافظ محافظة تعز في الحكومة الشرعية نبيل شمسان في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قرارا إداريا لضبط القيمة الإيجارية للمساكن في المحافظة.
مواد قرار محافظ تعز، تتساوى مع التعديلات القانونية لمجلس النواب في صنعاء، وبمبرر الحصار على المدينة واستمرار الحرب وتأثيراتها على الوضع الاقتصادي.
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول أصدر رئيس محكمة استئناف محافظة تعز القاضي أحمد الحمودي، تعميما لرؤساء المحاكم الابتدائية في المحافظة، بعدم قبول أي دعاوى الاخلاء في قضايا الإيجارات خلال هذه الفترة ووضع نسبة معقولة لرفع الإيجارات بما يتناسب مع الظروف الحالية.
هذه القرارات لن تحل مشكلة الإيجارات في نظر أبناء محافظة تعز، وصدورها كان مجرد دعاية، بالإضافة إلى أن القرار لم يلمس كل جوانب المشكلة.
يقول الصحفي مكيبر أن "قرار المحافظ لن يكون محل تنفيذ وأصبحت المسألة مجرد قرار دعائي لا فائدة فيه ولا زالت أقسام الشرطة تتدخل في قضايا الإيجارات وغاليا يكون التدخل لصالح مالكي البيوت".
ويرى المواطن الشرعبي أن "مشكلة الإيجارات لن تحل إلا بانتهاء الحرب في جميع المدن اليمنية وعودة جميع النازحين إلى قراهم ومنازلهم" مؤكدا أن " قرار المحافظ لم يغير شيء مازال الأمر كما هو عليه وهناك من عارضه".