آخر الأخبار

الثقافة الإنسانية في مواجهة ثقافة العنف والاستبداد

الأحد, 24 مارس, 2024

في ظل تقاطر الأزمات علينا، وما تنتجه من كوارث وتفرق وخصومة، سنبقى صامدين على يقين أن الله معنا، ولن تهزمنا قوى العنف والاستبداد وتطلعاتها في السلطة والاستئثار بالثروة، التي وجد فيها الأعداء أدواته لتنفيذ مخطط الأطماع ، وبها يخرج مسرحياته الهزلية في صناعة تلك الأزمات والكوارث، في زمن ضعف وهشاشة الضمير الوطني لدى الكثير، ممن باعوا وابتاعوا من أجل مصالح آنية ، ومشاريع جهوية، ومن أجل سلطة أو مال أو جاه.

قوى العنف بمختلف تشكيلاتها وأدواتها السياسية والعسكرية، تجد في الفوضى مرتعا لها، وغياب النظام والقانون متنفسا لتفرض قوانينها وأعرافها، ولهذا تبدأ باستهداف ونحر فكرة الدولة الجامعة وقيمها، مبادئها وأخلاقياتها، لصالح فكرة الجماعة والفئوية والجهوية، نحر المشروع الوطني الجامع لصالح مشاريع صغيرة، من خلال القضاء على كل الإنجازات التي تحققت على مدى مائة عام، لتعاد للواجهة مشاريع استعمارية، وطائفية ومناطقية وجهوية.

فلا يمكن مواجهة هذه القوى إلا من خلال نشر الثقافة الإنسانية بكل ما تحمله من وعي إنساني ووطني كوسيلة لمعالجة الاختلالات، وما توفره الثقافة من حوار واع يفكك كل العقد، ويضفي حالة من الراحة ليقدم بوادر أمل تتخطى حالة اليأس ، لتقدم وجبة دسمة كقوة دافعة لتحقيق الأفضل للمجتمع، وتعزز من قدراته على عبور الصعوبات، وبناء مستقبل مشرق.

وبحكم أن الثقافة الإنسانية هي صلة وصل بين الناس، فهي الوسيلة الناجعة لإيصال الأفكار، والتوصل لحلول جذرية، من خلال توارد الأفكار وبلورتها لتنتج لنا خلاصة طيبة تقنع العقول بحلول مناسبة.

المقصود هنا بالثقافة الإنسانية بأنها القيم (والعادات والتقاليد) المشتركة بين بني البشر وهي، المثل المضيئة، العابرة للأقاليم والأعراق والأديان، والسلوكيات التي تجد مرجعيتها في الفطرة الإنسانية ذاتها، كقيم الأخوة، والمحبة، والتسامح، والعطاء، والتضحية من أجل الآخر، والتعايش بسلام وأمان ، لإنهاء حالة الصراع المدمر للانتقال لحالة البناء والتعمير.

الثقافة هي طريقة تفكير، فيها العقل يتفوق على العضلات، ونمط حياة يحفظ للقيم والسلوكيات مكانتها، ويرتقي بالمبادئ والأخلاقيات لمستوى الإنسانية، وحينما يعمل العقل يستطيع التمييز بين الضار والنافع، وانعكاساته على الواقع، بحيث يساعد على تحديد الخيارات الأكثر سلامة وصوابية.

الإنسان في أي مكان بالعالم يندفع فطرياً لطلب الأمان والحرية والكرامة وألا يتعرض للظلم والخداع والتضليل، وهذا يتطلب منظومة قيمية أصيلة تحفظ كل هذه الاستحقاقات الإنسانية الكبيرة في كل جوانب الحياة. المشكلة حينما تواجه أزمة ثقافية مع بعض ممن لا يفهم، كل ما لديه من ثقافة هي صورة نمطية في الذهنية، صارت تمثل شخصيته بل هويته، وأي أفكار جديدة لا تتوافق والصورة النمطية الذي لديه، يرفضها ويعتبرها استهدافا لذاته، فيجد نفسه في معركة عبثية يدافع فيها عن وهم أسرة ، متمثلا بتلك الصورة.

الصورة النمطية تثير القلق لدى الأفراد المسيطرة عليهم ذهنيا ونفسيا، تمثل لديهم مواقف سلبية للحد من أداء الآخرين ، ورفض التعاطي الثقافي مع كل الأفكار بحرية، مما لا يسمح لديهم أي تلاقح فكري يدمر شيئا فشيئا من تلك الصورة المسيطرة عليهم.

وللأسف هذا ما نعاني منه اليوم، وما استثمره الأعداء، لتفكيك البنية المجتمعية من جماعات متعايشة بسلام وأمن وأمان ، إلى جماعات متناحرة في صراع تراكمي لا يتوقف، ينتقل من أزمة لأزمة ، بما يسمى إدارة المجتمع بالأزمات المتتالية والمنهكة، حيث يتم فيه صناعة أدوات التفاهة وتقويتها لتتفوق على أدوات الثقافة الإنسانية، بما يسمى الأدوات الناعمة، وهي مجموعة المثقفين بكل شرائحهم من أدباء وكوادر العلم والمعرفة والتجربة الإنسانية الراقية، وكل ما يرتقي بالإنسان لمستوى الثقافة الإنسانية النبيلة.


*المقال خاص بالمهرية نت * 

الحرب ومصير الأمة
السبت, 21 ديسمبر, 2024