آخر الأخبار

المجتمع المدني في خطر!

الثلاثاء, 05 مارس, 2024

تبقى القبيلة كيان اجتماعي لا سياسي، تستمد قوتها من الجماعة بروابط النسب والعرق، وتجمعهم منطقة جغرافية محددة، ويمثلون قوة ضغط أمام القبائل الأخرى مهما كانت عراقة وقيم وأعراف وإرث القبيلة، الكرم والجود ، ففيها التمايز بين أفرادها والجماعات الأخرى ، المكانة في القبيلة تعتلى بالوراثة، وهي من بقايا ما قبل الدولة، ولا يمكن لها أن تكون دولة.

فالدولة هي مجموع الأفراد الذين يسكنون وطنا، متساوون أمام قانون ونظام تلك الدولة، التي تتشكل من مدن وأرياف ، المدن هي مناطق يسكنها نسيج المجتمع المدني، الجامع لكل الأطياف والأعراق والثقافات، تحتكم لنظام وقانون يضبط العلاقات وينظم حالة التعايش في هذا التنوع البشري، الذي يضع للفرد مكانته وفق إمكانياته المهنية والكفاءة العلمية وقدراته ومهاراته، لا وجود في المجتمع المدني لمكانة عرقية وقبلية، لأنها لا تتوافق وفكرة الدولة ذات الهوية المدنية والمواطنة.

ما يحدث في عدن هو صراع بين مجتمع مدني يغزوه الإرث القبلي، في مخاض يحدث ضررا لأدوات المجتمع المدني، ويعطل روح النظام والقانون المدني، ولهذا نجد سلطة القبيلة التي وصلت لسدة السلطة تفرض على عدن وعلى هوية دولة المستقبل كل ما يتعلق بفكر القبيلة وأعرافها وتقاليدها، فنجد التشكيلات العسكرية ذات الهوية القبلية، ونجد استئثار قبيلة بمعظم مركز السلطة والوظيفة العامة، فبدلا من معيار الرجل المؤهل في المكان المناسب، نجد الرجل المقرب للقبيلة هو المناسب لتعزيز سلطة تلك القبيلة، وهذا ما تسبب في خلل مهني وعلمي في إدارة شئون الدولة ومؤسساتها، ولم يعد يلجأ الكبار في حسم قضاياهم لسلطة القانون، بل للصلح و الأعراف القبلية، حينما وجدنا رأس سلطة يقدم كم سيارة وكم قطعة سلاح للتحكيم في خطاء ارتكبه أفراد كان يفترض تقديمهم للقضاء، عرفنا أن الدولة تنهار لصالح القبيلة، واستمر الانهيار لينتج لنا واقعا هشا ونظاما قبليا مناطقيا، تضيق حلقاته حتى صار أقرب للنظام القروي الذي تجاوز حتى القبيلة نفسها، وبدأ يفكك كل ما يتعلق بفكرة الدولة والمدنية والتعدد السياسي والفكري والثقافي،  وعلى طريق القضاء ما تبقى من هامش ديمقراطي.

اليوم يحتمي الخارجون عن القانون بالقبائل، ويتصارعون على أساس قبلي، وحتى نداءات الخيرين تنادي القبائل أن يحفظو أعراف القبيلة، وضاع القانون والنظام في هذه الزوبعة القبلية، التي أساءت للقبيلة أكثر مما تسيئ للدولة، وصارت المواطنة على المحك، والمدني هو النقطة الأضعف بين صراع القبائل والعشائر والتنافس القروي في مدينة كانت ذات يوم مثال للحراك المدني ومنارة ثقافية وفكرية وصل إشعاعها لمناطق واسعة في الجزيرة، فيها تشكلت نواة المشروع الوطني، من رحم الحراك المدني للنقابات والمنتديات والجمعيات ومنظمات المجتمع، وأحدثت ثورة فكرية وتحررية، كانت البداية لتغييرات جوهرية في المنطقة ونشؤ النظام الجمهوري وفكرة المواطنة.

اليوم ما لم تتنبه النخب السياسية والفكرية والمثقفين، لاستعادة دور عدن، واستعادة أدوات المجتمع المدني لدورها، وتحريرها من سلطة القبائل  سنعود لما قبل الدولة ليحكمنا إرث قبلي وسلالي وقروي بالي رث، لنعود سنوات للخلف حينها لن ينفع الندم والبكاء على أطلال الدولة والثورة والجمهورية، ولله في خلقة شئون.

*المقال خاص بالمهرية نت * 

الحرب ومصير الأمة
السبت, 21 ديسمبر, 2024