آخر الأخبار
مؤشرات خطيرة في عدن تستدعي صحوة المجتمع
للمدينة مكانة كبيرة في نفوسنا وعظيمة في قلوبنا، بحكم أنها تمثل مركزا حضاريا وثقافيا ومدرسة وجامعة لكل باحث عن علم ومعرفة، ومصدر رزق للناس أجمعين ، المدينة هي جامعة لكل الأطياف والأعراق والسلالات والثقافات.
في قريتك، أنت تعيش بين أسرتك وعشيرتك، تحكمكم أعراف وتقاليد، وفي المدينة أنت تعيش مع عالم مختلف، تنوع بشري وثقافي وفكري متعدد الأعراف والتقاليد، يحتكم لروح القانون المدني.
في المدينة ملزم الشخص بالتعايش مع تنوعها الثقافي والفكري، وملزم بكل قوانينها التي تنظم العلاقات وتضبط إيقاع هذا التنوع وليرتقي الفرد لمصاف المدنية.
المفترض أن العيش في المدينة، يضفي للإنسان شخصية مدنية، تشذب سلوكه وعلاقاته مع الآخرين ، وتنمي من مداركه وأفكاره ووعيه بكثير من القيم المدنية والإنسانية، حيث يتخلص فيها من إرث القرية من العصبية والتمايز الطبقي والعرقي.
المزعج أن تتحول المدينة لمقاطعات نفوذ طبقي وعرقي، مناطق تنتقل بكل ما فيها من إرث القرية والسلالة والعصبيات القبلية والتمايز بين البشر على أسس العرق ولون البشرة أو المهنة، بمعنى آخر تنتقل القرية بكل سلبياتها لتشكل مقاطعة داخل المدينة تعكر صفو الثقافة المدنية، وبدلا من أن يخضع الجميع للقانون المدني، نجد من يفرض على المدينة أعرافه وتقاليده المتخلفة عن النظام المدني، محاولا تعكير صفو المجتمع المدني، وتعطيل روح القانون المدني، في سابقة خطيرة تهدد المدينة والمدنية.
للأسف ذلك واقعا اليوم على المدينة عدن، عكر الثقافة المدنية وعطل روح القانون فيها، وهي تعاني اليوم من صراع بين المدنية والريف، صراع بين روح القانون وأعراف وتقاليد البيئة القبلية، حيث تشكل نفوذا قبليا امتلك المال وعسكرة القبيلة والنفوذ السياسي، وأوجد في المدينة صراع الثقافات بين الحاضر والماضي المعيق للمستقبل.
في ظواهر خطيرة حدثت في عدن كأمثلة لا للحصر طلاب يعتدون على معلمهم بالضرب في حرم المدرسة، سابقة لم تحدث في عدن، والمؤسف أن لها شبهات تحريض ديني خطير، واطرافها معلم مدني، وجماعات قبلية، بعد أن أصبحت القضية رأي عام، بمعنى أنها أصبحت مع المجتمع المدني في عدن، والتعليم والمعلم حجر الزاوية في العملية التربوية والتعليمية، لم نجد جهة من الجهات المسؤولة دعمت فكرة تطبيق القانون لإنصاف المجتمع في عدن ، كل الجهات في السلطة المحلية والتربية والتعليم انجرت خلف قرار الصلح القبلي، وعفى الله عما سلف، وشاهدنا مقاطع الاعتذار المهينة لنا كمجتمع مدني، مهينة للنظام والقانون، كل هذا بفعل النفوذ القبلي الذي يفرض على الناس القبول بأعرافه متجاوزا بعنجهية خصوصية عدن المدينة والمدنية.
وما حدث لعسكري مرور يمثل الدولة، تعرض للدهس من سيارة قبيلي لا يفقه قانون السير وحركة المرور، ويحتقر الدولة بكل قوانينها، وننتظر صلحا قبليا، وقبلة اعتذار على رأس رجل المرور، وعفى الله عما سلف، في احتقار للدولة وللمدينة وعدن والمدنية، والكثير من المشاهد المشابهة في كثير من المرافق، كل القضايا الخطيرة والحساسة تحسم بحكم قبلي، حتى في دوائر المؤسسات وفي السلطات العليا، إذا كان على رأس تلك السلطات عقلية قبلية، كما حدث في دائرة المالية لمؤسسة حكومية، وحدث مع قبيلة الصبيحة، مشاهد معيبة تحتقر عقولنا وثقافتنا .
غابت الدولة، وغاب النظام والقانون، وبرزت القبيلة كبديل والأعراف والتقاليد، والصلح القبلي ونحر الأثوار عادات تعيدنا لزمن غابر، وتكشف حقيقة تخلفنا وعدم ارتقائنا، تكشف أن المستقبل بهذه العقلية وتلك الأدوات لن يكون إلا متخلف، ما قبل الدولة وقبل المدنية، لدولة السلالة والتمايز العرقي والطبقي الطائفي والمناطقي.
مؤشرات خطيرة تستدعي صحوة مجتمعية، ونخبة مثقفة ومدنية، تعيد تصويب المسار لجادة الصواب، لمؤشرات بناء الدولة المدنية الحديثة، وإعادة الاعتبار لروح القانون والدستور المدني، واستعادة وطن للجميع.
*المقال خاص بالمهرية نت *