آخر الأخبار
التعاطف الغبي مع القضايا
العلة الأساسية في تفاقم مشاكلنا، هو التعاطف الغبي مع قضايانا، تعاطف يغلب الانفعالات على العقل، ويلغي القيم والمبادئ والأخلاقيات ، فتتسلط عقلية الثأر والانتقام، لتعيد إنتاج العقلية الإقصائية، حيث لا حلول عقلانية، بل حماس وطيش يزيد من حجم العنف وإرهاب الآخر من حيث لا يحتسبون.
عندما تغيب عقلك، لصالح عواطفك وانفعالاتك، تفقد البوصلة فتتورط بما هو أسوأ، او تعجز عن التقليل من الآثار السلبية، والوقوع في الخطيئة، الانفعالات تفسد عليك هدفك وغايتك في إنصاف ذاتك، بل يفسد عدالة قضيتك، وهذا ما حدث للكثير من القضايا العادلة، التي قادها الانفعال والتهور، والثأر والانتقام.
السياسة فن الممكن، وتحتاج لمهارة عقلية في رسم استراتيجية العمل، التي تقلل من الوقوع في الخطأ والخطايا، للأسف البعض يسير مع ما هو سائر، تجرهم العاطفة، وبعضهم يكون أكثر مزايدة من الملك، حشد عاطفي من شأنه أن يشل جميع مهارات العقل دفعة واحدة، بل يعادي العقلاء والأفكار العقلانية.
العاطفة يكون مصدرها حالة الخوف، والخوف لا يأتي بمفرده يجلب معه الغضب والكراهية والندم وسائر أشكال التوتر، وهي قيود تتكالب عليك لتشل عقلك وتشتت ذهنك وتلقي بك في الخطأ والخطايا، تحارب الإرهاب بعقل إرهابي، وترى كل من يعارضك على صورة إرهابي، لتتحول لكتلة إرهابية ترهب من حولها.
عندما نشدد على العقل والعقلانية، ليس من منطلق الترف النخبوي كما يتصوره البعض، ولكنه حقيقة دامغة أن العقل والعقلانية هي مصدر الحلول الناجعة، وهي الكابح لضبط الانفعالات والعواطف.
الحديث عن العقل والعقلانية في واقع مهزوم، وحال بائس تتصدر مشهده العاطفة والانفعالات والجهل، هو حديث صعب قليلا ، يتعرض لهجمة شرسة واتهامات عدة، البعض للأسف يعتقد أننا نقلل من شأنه، أو أننا نتذاكى عليه، ويرفض التعاطي مع ما نطرحه، هذا قدرنا لمن لا يفهم الا متأخرا، عندما يقع في الخطيئة.
معظم مشاكلنا على مدى سنوات، أننا ضعفاء ليس جسديا أو اجتماعيا بل عقليا، بسبب الانفعالات التي تضعف من قدرتنا على التركيز، وقراءة الواقع ، ودارسة المشهد بعقلانية، ورسم استراتيجية نتحرك من خلالها للتنفيذ الهدف والغاية، ضعفاء تجعلنا مجرد قطيع تديره الانفعالات والتناقضات، ونكون أداة سهلة للاستغلال، في مخطط جهنمي تديره استخبارات دولية، لديها من الإمكانيات العلمية والنظرية في كيفية العمل على الشعوب الغبية، كيف تثير انفعالاتها وتستثمر تناقضاتها، لتديرها كما تريد، كما يحدث اليوم في محاربة الإرهاب، الفتنة التي صنعتها لنا الدول الاستعمارية، وتستثمرها كوسيلة تصفية حسابات، في بلداننا الفقيرة والضعيفة عقليا، حيث يتم صناعة الأصنام والدمى التي تحركها تلك الأدوات الخفية، لإدارة معارك عبثية، وسيناريو القتل والموت في كوميديا سوداء تسود حياتنا ومعيشتنا وتقتل كل جميل فينا، تقطع الروابط لتقطيع أوصالنا، لنتحول لمجرد سلع رخيصة في ملحمة دم وبيئة عفنة من الفساد واللصوصية، نحن ضحاياها.
نحن اليوم في أقصى درجات الجبن والوهن في مواجهة مشاكلنا، لم نتعلم من دروس الماضي، ومتى سنتعلم؟
سنتعلم عندما نتمسك بالعقل والعقلاء، وننطلق في مرحلة نمو عقلي وثقافي، دون ذلك سنبقى مجرد موتى جثث هامدة تتخبط انفعالا وعاطفة دون عقل.
المناضل يحتاج لأعلى درجات التركيز لا سيما أثناء اشتداد المواجهة، يحتاج لقيادة متوازنة تزيل الخلل فيما بيننا، بإزالة أوهام الخصومة الفاجرة، نتعلم من بعضنا بعض، نتأزر متماسكين وننطلق يقودنا الوعي والعقل والقدوة، ونعترف لبعضنا بعض، لنشكل جبهة قوية تخوض معركة الحياة للأنصاف والعدالة، والحرية لوطن يستوعب كل الأطياف والألوان والثقافات والعقائد، وطن يستوعب الجميع.
*المقال خاص بالمهرية نت*