آخر الأخبار
30 نوفمبر والاستقلال المنشود
علينا أن ننظر لثلاثين نوفمبر كحدث تاريخي، ومنعطف مهم في تاريخ اليمن وعدن، بأهمية رحيل آخر جندي بريطاني من أرضنا ، وأهمية توحيد 22 سلطنة وشيخة وإمارة ، وولادة دولة وطنية، هي جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وإسقاط مخطط استعماري لتشكيل كيان غريب على الأرض( الجنوب العربي)، كخنجر مسموم في خاصرة الجزيرة واليمن، هدفه تنفيذ سياسة (فَرِّق تَسُدْ) الاستعمارية لضرب أي تحالف يشكل قوة كبيرة يصعب التعامل معها، وهي السياسة التي يستخدمها الاستعمار، سياسة أتت بعد فرق تغزو، استخدمها منذ نشأته في بداية سبعينيات القرن التاسع عشر، وما زال يستخدمها المستعمر بشكله الحالي ، أسلوب قديم جديد طبق وما زال دابره ينخر في جسد الأمة العربية.
بعد الثورات التحررية العربية، غير المستعمر من سياسته ليحفظ استعماره للإنسان العربي، كضمان لاستعماره للأرض، فرق ومزق وشتت أواصر القوى التحررية، أثار الفتن واشتغل على التناقضات، ووجد من يتقبل كل الأفكار المشوهة، التي سربها لتعزز الشكوك بشركاء الكفاح، وتمكن من حقن المجتمع بمبررات الصراع، كان يهدف لإضعاف الشعوب واستعبادها والاستيلاء على أراضيها، بإنهاك قواها العسكرية والاقتصادية لغرض تسهيل العملية وتقليص تكاليفها، وهذا واضح من خلال إثارة الفتن الطائفية والتحريض على الكراهية والعنصرية، ونشر روح الانتقام، وإشعال حروب داخلية وخارجية تنتهي بإنهاك قوى كافة الأطراف.
لم تكن عدن واليمن بعيدا من سياسية سايكس بيكو، التي رسمت وفق سياسة فرّق تسد، وأحاكت خيوطها على المنطقة العربية ، و قُسِّمت بحسب رؤية سايكس - بيكو، للحيلولة دون قيام اتحاد عربي قوي، وزرعت فيها كيانات تمثل قواعد استخباراتية ، لتنفيذ المهمة ، واليوم نحن نشهد دور تلك الكيانات بوضوح في إنهاك قوى الدول الوطنية العربية، لإعادة تشكيل المنطقة وفق اهواء الاستعمار.
عندما اشتد الكفاح المسلح ضد بريطانيا في عدن، قرر المستعمر أن يرحل ويترك فتنة تدمر كل مقومات عدن، لكي لا تنهض بالدولة الفتية، ولا تسهم في تحرر المنطقة من الهيمنة الاستعمارية، والتسلط الاقطاعي والأنظمة الأسرية ، حتى لا تنهض باليمن والمنطقة، وكانت الحرب الأهلية التي أضعفت قوى الكفاح المسلح، إقصاء جبهة التحرير ومن معها من قوى، و إضعاف الجبهة القومية، بتحالفها مع جيش المستعمر، الذي كان خارج اللعبة السياسة، تطلبت سياسة فرق تسد إعطائه دورا سياسيا منذ اللحظة الأولى للرحيل.
فشهدت عدن تصفيات من كلا الطرفين، حتى تشكيل أول حكومة، لم تتوقف عملية التصفيات التي طالت أشرف وأكفأ قيادات كان ممكن أن تسهم في نهضة الجنوب وعدن، والكل يعرف الحروب الأهلية التي كانت تتفجر كل أربع سنوات في دولة اليمن الجنوبي، حتى 13 يناير التي أصابت الجنوب بمقتل، واستمرت عملية الهجرة للكوادر والعقول العسكرية والمدنية ، وهاجر معها روح عدن ودورها الريادي، وأفل نورها المتعدد ثقافيا وسياسيا وفكريا، ولم يبق غير سلطة القبيلة المسلحة بالبندقية والفكر المتطرف للايدلوجيا وشعار ثورة ..ثورة لا إصلاح ، يقتل وينتهك كل من يعارضه تحت شعار، حماية مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، كان الكل مهددا لمستوى رأس القيادة، فكانت الوحدة هي الهروب من مزيد من الاقتتال، هروبا دون تغيير حقيقي في سياسات وبرامج تلك القيادة، التي عجزت عن استعادة روح المبادرة ولملمة الصفوف، وتغيير حقيقي في السياسات والبرامج لتواكب متغيرات المرحلة من تعددية وديمقراطية وتبادل سلمي للسلطة.
عدم حدوث أي تغيير حقيقي لا في المنظومة ولا في السياسات، ساهم في استمرار الصراع، والتبعية والارتهان للخارج، واستمرار عملية الهجرة، واستمرار الإنهاك للقوى، واستمرار الإحباط، وشكل من مجموعة من الضعفاء من ذوي الخواء الفكري والتحريف الثقافي والإحباط النفسي، كتلة تهاجم 30 نوفمبر كحدث تاريخي هام، كما هاجمت ثورتي سبتمبر وأكتوبر ، هم مجموعة افتقدوا لروح الإصرار والتحدي باستمرار الثورة ، وتحقيق الاستقلال والسيادة على الأرض، افتقدوا لليقظة المفترض أنها تقطع دابر الفتنة، واستسلموا للظروف والشروخ التي احدثتها تلك الفتنة، وسياسة فرق تسد الاستعمارية، وللأسف اصبحوا أداة من أدوات تلك الفتنة من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
أي مشروع وطني يواجه الكثير من التحديات، وتتعرض طريقه العقبات، ويحتاج لنضال مواجه بقوة الفكر، وثقافة وطنية عالية، لا تجدها إلا في البعض، وستجد من الجهل من يشوش على استمرار الثورة، واستمرار روح التطلع للاستقلال والحرية والعدالة، ما لم يتحقق بالأمس سيتحقق اليوم، ولن يتحقق إلا بروح الإصرار والتحدي والإيمان بالثورة والاستقلال والقيم والمبادئ والأخلاقيات، وثورة ثورة حتى النصر لتحقيق الاستقلال والسيادة على الأرض، وتحرير الإنسان من عبودية أهوائه ونزعاته ومخاوفة ، تحريره من الإحباط والتذمر والاستسلام.
*المقال خاص بالمهرية نت*