آخر الأخبار
نحن أمة لا تستجدي
نحن شعب لا نستوعب دروس ماضينا، وعبر مآسينا، ولم نستفيد من تجارب الشعوب الأخرى للارتقاء بواقعنا وكشف الملابسات والتشوهات التي تحيط بنا في مراحل الصراع السلبي.
ننشغل في التخندق مع أدوات الصراع، منبهرين بعناوين الصراع وشعاراته الجذابة.. فننقسم بين سيئ وأسوأ تمكنوا منا وجعلنا مجرد رعاع في حشودهم ضد بعض، ومجرد بنادق في معركتهم ضد بعض ووقود لحرائقهم التي يشعلونها ويشعلون معها وطنا.
أيها الشعب العظيم، كلمه نسمعها في خطاب تلك الأدوات، وهي تحشدنا ضد بعضنا بعض، نقتل بعضا بعناوين مختلفة من أجل أن تتربع هي سلطة، وتستأثر بمصادر الثروة، والنتيجة أن نتحول لمجرد متسولين أمام أبواب تلك السلطة التي تعيش في بروج عالية ومحمية بالحديد والنار.. تعيش في بذخ وثراء وتخمة وتطالبنا أن نصبر ونتحمل الفقر والجوع والمرض.. نتحمل الحمى والظمأ والظلام الدامس.
علينا أن نضاعف من إرادتنا بالصمود لطاعتهم، وهم يضاعفون من ثرواتهم، وتنتفخ كروشهم، ويتفاخرون بالماركات في الأحذية والساعات والملابس والكرفتات والسيارات.. أولادهم في نعيم يدرسون في أفضل جامعات العالم وأولادنا في جحيم.. يجب أن يكتسبون الجلد الذي يؤهلهم لحراسات الأبناء بعد تخرجهم و ميراثهم لكرسي الحكم.
نحن شعب عريق ذو حضارة، وله مآثره في الأمة العربية لا نحتاج لذكرها فكتب التاريخ تزخر بها، ولنا تجاربنا الوليدة في العصر الحديث، وهي تجارب كانت في مرحلة النمو، و تزخر بفكرة الدولة والجمهورية والديمقراطية والتعدد السياسي، رغم بعض المآخذ والأضرار التي كان سببها منظومة سياسية مفروضة بدعم إقليمي يمكن تقويمها.. وكنا نتخندق سياسيا في انتخابات برلمانية، وكان العالم يحترمنا ويهابنا، فهل قرر العدو القضاء على التجربة الوليدة ؟! بعد أن تأكد أنها خرجت عن السيطرة، تنمو نموا طبيعيا وصلت لحد ثورة الشعب ضد منظومة السيطرة والفساد التي كان العدو يراهن عليها، والحفاظ على التجربة الديمقراطية والتعدد السياسي، وبالتالي على الدولة الضامنة والوطن المستوعب للجميع والسيادة والإرادة.
اليوم غابت القوى السياسية وبرزت مليشيات متعددة الولاءات في الشمال والجنوب، وأجندات الخارج إقليميا ودوليا، فالاصطفاف هنا ليس سياسيا بل اصطفاف مع قوى عنف تدار من خارج الوطن.. أول مهامها هو القضاء على التجربة الديمقراطية والتعدد السياسي وتأسيس كنتونات أنظمة ديكتاتورية تحكم بالحديد والنار، والشعب بالنسبة لها مجموعة مشكوك فيهم ما لم يقدمون الطاعة، أم "إرهابيين أو خونجية" أو عملاء لأوهام الحاكم على نمط مأساة يمين انتهازي ويسار انتهازي.. مبرر تصفية الشرفاء من أرض الوطن.
لا سياسة دون أدوات التنمية السياسية وهي الأحزاب.. مجموعة التكتلات الفكرية المختلفة المنضبطة بقانون الأحزاب الذي يكفل حق التعدد السياسي وحرية الرأي، والتبادل السلمي للسلطة.
لا الدستور الضابط للوطنية وشأن الوطن يخون الارتهان للخارج والدعم الخارجي العسكري واللوجستي للقوات المحلية التي تعتبر هنا مليشيات غير منضبطة لدستور الدولة والثوابت الوطنية التي تحرم العمالة والارتهان.
نكبتنا اليوم أننا قبلنا بهذه الأدوات وتعاطينا معها.. اليوم نتلقى الصفعات من الإقليم الذي جعل منا أمة مريضة تحتاج منه الدواء وفقيرة نستجدي منه الغذاء، و متصارعة تحتاج لأدوات القتل والموت، ومقسمة وضعيفة ضمان بقائهم أسياد.
* المقال خاص بالمهرية نت *