آخر الأخبار
في سقطرى.. عدد المقابر أكثر من الأحياء على الأرض !
المجتمع السقطري له عادات وتقاليد وعبارات وأفعال تتعلق بالموت، ومنها ما هو قديم ربما لم يسمع به ولم ير التعامل به سوى القليل من الناس، ومنها ما هو حديث وجديد وفد إلى سقطرى من الشعوب الأخرى.
في سقطرى لا تمر بمنطقة من مناطقها سواء في الأرياف إلا وترى أن عدد المقابر أكثر من عدد الأحياء على الأرض حاليا مما يعني أن أمما كانت تعيش على هذه الأرض انقرضت.. فشت فيهم الأمراض والمجاعات والنزاعات والحروب حتى أزهق أرواحهم، وعندما تتوغل في الجبال وتنظر إلى المغارات والكهوف تجد موميات مكدسة فيها ما زالت آثار عظامهم باقية، والبعض من هذه الجثث ما زالت كاملة ولا تدري سبب موت هؤلاء وسبب موتهم في الكهوف والمغارات في مناطق نائية ومرتفعات عالية، هل هي المجاعة أم المرض أم الحروب؟؟؟
ومن المؤكد أنه لدى البعض تقاليد ومعتقدات تلزمهم بضرورة القبر في بيوتهم، ولا يكشف ذلك غير الباحث الدقيق المنقب في الآثار، وبالفعل وجد بعض الباحثين بيوتا في باطن الأرض فيها جثث منذ عهد قديم جدا، وهؤلاء هم من اختاروا أن تكون بيوتهم مقابرهم ويفسر البعض بأن هذا تقليد ديني خاص بالأسر الحاكمة.
في منطقتي هناك مكان اسمه مآكن يدعي الناس أنه الموطن الأصلي لأبيهم الأول، وهذا المكان عبارة عن مساحة مستوية من الأرض شاسعة عليها حوش مبني بأحجار عظيمة لا يستطيع جمع من الناس اليوم دحرجتها، فضلا عن البناء بها، وهي أرض لا تبتعد عن الوادي سوى مئة مترا تقريبا والحوش واسع يخيل إليك أنه موطن لحلب الأبقار وغيرها، ومن الصعب الإدراك أنه يحتوي على بدروم أرضي فيه العديد من المنازل المبنية بناء محكما، ومن ثم تم ردم أطنان من الطين فوقها.
وعندما احتاج الناس إلى هذا الطين لردم الطريق برزت البيوت من بعد استخراج هذه الكميات من الطين، ووجدوا دارا في داخلها جثتين كبيرتين يبدو أنهما زوجين وجثة أخرى صغيرة لطفل وعلى رأسهما تمثال لأسد صغير من الذهب وبضع حبات من العقيق والفضة.
المجتمع السقطري القديم كان يعتبر الموت سخطا يصيب بيتا من البيوت دون غيره وخاصة حين يختطف الموت صغار السن أو الشباب والأصحاء.. فإذا مات من البيت الواحد أكثر من واحد في زمن قريب قلقوا من ذلك وجلبوا الأغنام وذبحوها وجعلوا يسألون الله بها لكي يرفع عنهم الموت.
يقول أحد الشعراء متحسرا على موت الرجال:
حاب حاقب سحارهنيتن دي عج كاتباطلن
كي يفوقيسن حويها قرقهر يطاهمسن
والمعنى: حسرتي على لحية الرجل حينما تفنى ويلبسها التراب العفر حتى يبليهن.
ومن المعتقدات أنهم كانوا عندما يحمل الرجال الجنازة من البيت تأتي إحدى النساء بجرة فيها ماء وتسقطها من يدها فتنكسر وينسكب الماء على عتبة الباب وبين أرجل الرجال وتقول:( ليتبور شش حاسل) والمعنى: أنه لتذهب النقصان مع هذه الجرة ولا يعود إلينا أبدا.
ومن الأقوال أيضا حينما يأتي أحدهم عند قوم يحفرون القبر يقول:(عل يحاطى بكن) والمعنى هي دعوة لئلا يكسب الميت الإثم بسبب ذنوبكم.
وما زال الناس إلى الآن يرسلون خبر الموت إلى القرى المجاورة، ويأتي الرجال يشاركون أهل الميت في الحفر وفي إجراءات الدفن ويعزونهم التعزية المعروفة المتداولة:( عظم الله أجركم وأحسن عزاكم) وقد يسبقها البعض بعبارة( أل صحاتن) في إشارة على أن أهل الميت ليسوا بخير جراء فقدهم للمتوفي.
ويقوم الأقارب بغسل الميت بأوراق السدر وغيرها من أدوات التنظيف الحديثة ويضعون على الجثة من العطور والكافور والمسك.
وبعد إتمام الصلاة والدفن يذبح أهل الميت ما تيسر من المواشي ويطعمونها للناس ويسمونها العقيقة أو الصدقة ونحو ذلك.
وفي السابق كان الناس لا يجلسون للعزاء، بل يحضر كل المعزون في يوم واحد، وقد تتم التعزية في أي مكان دون تكلف ويمكن أن نعزي ذلك إلى قلة الناس.
حاليا قلد الناس فعل بعض الشعوب فيجلسون للعزاء ثلاثة أيام، يخسر خلالها أهل الميت مبالغ طائلة فضلا عن تعبهم وإرهاقهم بتقديم الطعام وحزنهم، وهذا ما جعل كثير من الوعاظ يتهجم على هذا التصرف ويصفه بالبدع والمخالفة للشرع والدين.
ومن وجهة نظرنا وليست فتوى نفتي بها بل رأي التمسناه من خلال المعرفة بالمنطقة وتضاريسها وعاداتها أنه يتوجب في بعض الأماكن والأوقات تقديم بعض الطعام والمشروب للمعزي فعندما يأتي الناس إلى بيت المعزي من مسافة بعيدة متحملين المشاق والحر فإنه بلا شك وجب عليك إطعامهم وسقيهم لتطفئ جوعهم وتزيل عطشهم، لذلك لا ينبغي أن يتشدد البعض في تشنيع هذا التصرف جملة وتفصيلا.
ومن الأخطاء التي ما زالت متداولة وخاصة في العاصمة حديبوه، وما جاورها ما يسمى بالكفارة، وهو أن يذبح للميت شاة كفارة عن ذنوبه عند حلول العشر من ذي الحجة وخاصة في اليوم الثامن أو التاسع.
المقال خاص بالمهرية نت