آخر الأخبار

ما حوار كما حوار !

الجمعة, 12 مايو, 2023

هل يعي المجلس الانتقالي معايير الحوار والمشاورات , والندية المطلوبة , التي لا تجعل من الحوار , وسيلة استئثار والاستغلال , لصالحه ضد الأطراف الأخرى.
 
الحوار شيء جميل , وفكرة نبيلة وسامية , لا قيمة لها ما لم تقوم بترميم جسور الثقة بين الأطراف المتحاورة , ورأب الصدوع التي أحدثتها الخلافات , وتقريب الرؤى , وهذا يتطلب أن يتخلى المحاورون عن هيمنتهم وتسلطهم على الآخرين , وإعادة تشذيب الخطاب السياسي مع الآخر , دون ذلك فهو حوار عبثي يراد منه مزيد من السيطرة والتمكين لعقلية تتذاكى على الآخرين.

  الحوار الصادق , يبدأ بتسوية الملعب السياسي والاجتماعي , وعادة التوازنات , وعدالة الفرص بين القوى , وبين السلطة والمجتمع. فالديمقراطية تعطي الحق للمجتمع أن ينتج سلطة تلبي قناعاته.

  والواقع المرير العربي والمحلي , لم تثمر الديمقراطية نظاما  يلبي احتياجات وأحلام المجتمعات , كل ما ثارت الشعوب لتصنع تغيرا يلبي احتياجاتها , كلما برزت قوى تختطف الثورة لتنتج نظاما سياسيا قمعيا , وواقعا أسوأ مما كان. منذ بزوغ الدولة الوطنية ما بعد الاستقلال , تحررت الأرض , ولم تتحرر الشعوب من أدوات القمع والاستبداد المتوارثة.

  أدوات القمع تعيد إنتاج نفسها , بالدعوة للحوار , وهي دعوة للأطراف الأخرى للاستسلام , والعودة لحضن القوي من يملك السلاح والمال والدعم الخارجي.

  وهي نفس الأداة التي تخنق المجتمعات وتستولي على أدواتها التنموية ,وهي مجموعة المؤسسات الجماهيرية (النقابات والاتحادات والنوادي والمنتديات واللجان المجتمعية ), أدوات تتحول اليوم من أدوات تنمية اجتماعية لمجتمع مدني , لمخالب سلطة قمعية مستبدة , تدعو لحوار عبثي.

قبل ذلك كانت عدن تمثل نموذجا رائعا لمجتمع مدني استطاع أن يتصدى لكل أدوات القمع والاستعمار , وللأسف تحررت عدن من المستعمر , وتعرضت لسلسلة  من الصراعات المدمرة لمجتمعها المدني , الذي افقدها دورها الريادي في صناعة التحولات السياسية والاقتصادية .

كان المجتمع المدني في عدن رائدا , حينما كان يمتلك أدواته , كان صوته مسموعا , ودوره  مؤثرا, صانعا للتحولات , وحاميا لمسيرتها .

اليوم المجتمع المدني في عدن وغيرها من المدن فقد أدواته على الأرض , وهي المجموع الكلي للمؤسسات والمنظمات والاتحادات المدنية غير الحكومية والمستقلة والقائمة على طوعية العضوية , التي يفترض أنها تقوم بدور وظيفي كل في مجاله ,كشريك حقيقي مع السلطة في تحقيق تطلعات الناس.

ومن المؤسف أن السلطة التي تتشكل على أرض الواقع , لا تعي أهمية المجتمع المدني , واستقلالية أدواته , ومساحة الحرية المحركة لهذه الأدوات , فهي تسلب حق المجتمع في إدارة شؤونه, مبتدئة بالسيطرة على النقابات واللجان المجتمعية والاتحادات , وتجعل منها أدوات لخدمتها, ضد قوى المجتمع المتنوعة , فتتقاسمها السلطات العسكرية والقبلية والعقائدية والمذهبية , وتأتي ايدلوجيا الفكر الواحد لتنهي فكرة التنوع في إثراء المجتمع , مما يضعف من قدرته في التنامي ,ويفتقد أدوات حماية الحقوق , وإدارة شئونه.
المجتمعات الحية هي المجتمعات المدنية ذات فضاء اجتماعي ينسج فيه اتحادات بشرية متحررة من سلطة القهر , ومتحلية بالتعدد والتنوع الذي يسمح طيفها واستقلاليتها بإثراء أنماط الحياة الثقافية والفكرية للمجتمع .
هي المجتمعات التي تسود فيها روح القانون , الضابط للعلاقات وإيقاع الحياة العامة بين الأفراد والجماعات , وهو العقد الاجتماعي الذي يحدد بنى القوانين العامة والحقوق الأساسية المطلوبة لتحديد التعدد والخصوصية والاستقلالية عن الدولة سياسيا واقتصاديا , حيث تشكل بنى ضامنة لوجود واستمرارية مجتمع مدني عصري فريد .
مجتمع واعي كهذا سيكون قادر على ممارسة الديمقراطية وصناعة التحولات السياسية وحمايتها , مجتمع قادر على فرض حوار ندي وصادق بين قواه الحية.
 

*المقال خاص بالمهرية نت*