آخر الأخبار

الأول من مايو وإرث عدن النقابي

الإثنين, 01 مايو, 2023

الأول من مايو، يذكرنا بعيد العمال العالمي، ذكرى مثلها مثل غيرها من الذكريات الجميلة، ذكريات فقدت مذاقها الوطني والإنساني اليوم، حينما فقدنا كل ما هو معني بفكرة الدولة الوطنية، والمسؤولية الوطنية والاجتماعية، للارتقاء بالمجتمع والنهوض به نحو الأفضل.
 
كنقابي من صلب نقابي عتيق أشعر بألم شديد وأنا أشاهد استهداف الحركة العمالية في عدن، المدينة التي نشأت فيها وترعرعت، تلك الحرة من وقت مبكر، وكانت رافداً مهماً للحركة العمالية العربية والعالمية، واليوم لم يتبقَ منها غير مبنى تراثي، اغتصبته قوى العنف، ونسفت كل معايير الديمقراطية، ودمرت إرثاً نقابياً عريقا، وضع على هيكله جعانين المناطقية المتحلية بفكر العصبية والتعصب ضد الآخر المختلف.
 
إنها الحرب، وأدواتها التي تخلقت من رحم تلك الحرب، واستهدفت عدن كمجتمع مدني، له أدواته المدنية، ومنها النقابات والجمعيات والاتحادات المدنية غير الحكومية المستقلة، القائمة على الطوعية والانتخابات من القاعدة، والتي مثلت بمجموعة المجتمع المدني الراقي في عدن، الذي كان نموذج رائع في تعدده وتنوعه، في التعايش والتسامح، اليوم لم يبقَ منه غير أطلال لذلك المجموع المدني الذي تستأثر به قوى العنف القابضة على عدن دون غيرها.
 
البعض يرى أن هذا الاستئثار هو حق لفكرة الانفصال، رؤية منفصلة عن واقع عدن، التي كانت ولازالت جغرافيا الجنوب اليمني، نشأة الحركة العمالية اليمنية ومراعها الخصب كنواة للحركة الوطنية في المنطقة، هذه النشأة وتلك الخصوبة، لها معاييرها، عندما فقدت تلك المعايير، لم تعد للنقابات والاتحادات أي مذاق وطني وإنساني ومجتمعي، هي مجرد خلطة عسكرية سحرية أعدتها سلطة الأمر الواقع، للاستئثار بالواقع، لفرض أمر واقع، لا يركب ودور ومهمة النقابات والمبررات الحقيقية لوجودها لخدمة العمال والمجتمع.
 
العمال اليوم أكثر عرضة للانتهاك والظلم والتعسف، والمجتمع يفقد المدنية شيئا فشيئا، والنقابات هي عصى السلطة في تنفيذ ذلك، بل إنها معول هدم للركائز المجتمع، ومازلنا نتذكر إضراب المعلمين، الذي برهن أن النقابات أداة سياسية في المناكفة السياسية، ساهمت في حرمان حق المجتمع في التعليم كرافعة مهمة للتنمية الفكرية والثقافية، وبناء الإنسان نواة المجتمع، وعماد المستقبل، إضراباً سلبيا، دون دراسة ووعي نقابي، ومعايير قانونية وحقوقية، مبنية على مبدأ الحق العام قبل الحق الخاص.
 
كلنا نتذكر ما حدث لعمال الميناء، والصراع المسلح في فرض نتائج انتخابات شكلية، تنتج مكونات نقابية تفرض علينا هذا الواقع السيء.
 
والمصيبة الأكبر هو الصراع المسلح الذي تعرض له الاتحاد العام، حينما تنتهي المصالح تبرز الأحقاد، وتتحرك البندقية لتفرض واقعها المرير، وكانت النقابات ضحية.
 
واستمر الحال في عدد من الاتحادات ومنها نقابة الصحفيين، والقضاة والمحاميين وحتى اتحاد الأدباء، من يحكم بعقلية السيطرة، يستأثر بمقدرات المجتمع، ليسيطر على حركات المجتمع المهمة في عملية التغيير والراي والرأي الآخر، ضعفاً يرسل إشارات الخوف من المجتمعات الحية التي تملك أدواتها المدنية المستقلة عن السلطة، يحتوي تلك الأدوات ليقتل روح المجتمع ليحكم ويتحكم.
 
شيء مؤسف جداً أن نفقد إرث قرن من العمل النقابي، والعلاقات العربية والدولية لكل فروع النقابات واتحادها العام، وكانت عدن جزءا رئيسيا من الحركة العمالية العربية والدولية، اليوم ما هو موجود كيانات لا تمثل إلا نفسها وخيبتها، ولا علاقة للعمال وتاريخهم وإرثهم بما يحدث اليوم، هي مرحلة انهيار نتيجة طبيعية للحرب، تديرها قوى نفعية انتهازية، تتاجر بحقوق الناس ومصالحهم، والنقابات جزءا من هذا الواقع، بالضرورة ستنتهي بانتهاء الحرب، وسقوط قوها النفعية والانتهازية، ليتعافى وطن، ويتعافى مجتمعنا، ويستعيد أدواته المدنية، ومنها النقابات، إن غداً لناظرة لقريب.
 

الحرب ومصير الأمة
السبت, 21 ديسمبر, 2024