آخر الأخبار

الانتهاكات "النسوية" من الوهابية إلى الخمينية !!

الجمعة, 03 فبراير, 2023

شدتني قبل أيام صورة تم تداولها مؤخراً على نطاق واسع  لتعليمات مكتوبة على لافتة صادرة عن مكتب الأشغال في مديرية صنعاء القديمة  ، تمنع بموجبها العائلات من الجلوس على (ظفتي) (*) سائلة المدينة التاريخية، وليس الأمر من باب التنبيه من مخاطر امتلاء السائلة بالمياه المتدفقة  إليها من محيطها الجبلي والريفي في مواسم الأمطار، وقد يتعرض من جرائها الجالسون إلى مخاطر الغرق والجرف ، وإنما   المقصود فيها، ممارسة انتهاك صارخ للفضاء العام وتعدٍ صريح على حريات الناس في مكان عام.

  تحوَّل فيه مكتب الأشغال في المديرية من مكتب خدمي لتنظيف المدينة الغارقة بالقمامة وطفح المجاري إلى هيئة ظلامية  ومجلس حسبة يصادر حق المواطنين مع عوائلهم من الجلوس المجاني والاستمتاع البسيط بمناظر المدينة والحركة في السائلة.



كان الأولى بمكب الاشغال أن يزيل التعدي الصارخ الذي استحدثه الحوثيون في أجمل مكان في السائلة، حينما وضعوا خيمة في  الاستراحة الحجرية الانيقة  عند مدخل  حارة وبستان القاسمي وتطل على فضاء بستان المهدي عباس، من أجل إقامة انشطتهم التعبوية و التحشيدية لشبان المدينة الفقراء.

  كان المكان قبل أن يضع الحوثيون فيه الخيمة ويمنعوا الناس من الاقتراب منه، من أجمل المتنفسات البسيطة بمصطباته الحجرية  المنقوشة ودرجاته الأنيقة. 



الأولى بمكتب الأشغال أن يكف أذى موظفيه من ابتزاز أصحاب المحلات التجارية والباعة الجائلين في سوق المدينة التاريخي، وإزالة اكوام القمامة في الأزقة، وإزالة العشوائيات  التي تؤذي العين في المدينة التي صارت مهددة بالخروج من قائمة التراث العالمي بسبب مثل هذه التعديات، والتي يُغض الطرف عنها  رسمياً بسبب قوة النفوذ وقوة النقود، وليس ممارسة وظيفة ظلامية وتسلطية,
الرسالة التي اوصلتها مثل هذه اللافتة  تقول وباختصار شديد: أنه في الزمن الحوثي تحولت مكاتب الخدمة العامة إلى أذرع جباية وألسنة  تشدد  وحسبة عمياء كتعبير طبيعي عن الحالة التي وصلنا إليها.


(*)
اصدر الحوثيون قبل عام من الآن قراراً ظلامياً بمنع سفر وتنقل النساء إلا بمحرم، وبدأت الكثير من الجهات ذات العلاقة وغير ذات العلاقة بتطبيقه بطريقة فجة ومضحكة.. فقد قالت انجيلا أبو اصبع  في صفحتها على الفيس بوك:
" بالنسبة لما حدث لي أمس في ورشة ميزان الحميري من موقف لم اتوقعه وحدث لي أول مره من طلب الحارس أن أحضر معي محرم.. الي موقف آخر اسوأ  منه وهي ردود فعل من أرادوا ان يصطادوا في الماء العكر وان يحرف مسار القضية التي نناضل من أجلها وهو التمييز ضد النساء اللاتي يعانين في اغلب الأسر اليمنية، بل وتعاني المرأة اليمنية من التمييز المتجذر في المجتمع اليمني والنخب السياسية". 




يعرف الحوثيون أن الوف النساء المتسولات في زمنهم يجبن الشوارع بدون محارم، وقذفت بهن حالات الجوع والنزوح لهذا الوضع المزري..  قال لي أحد الأصدقاء أن متسولة  أرملة تقتعد هي وأطفالها الصغار الشارع العام في الليالي الباردة  حتى وقت متأخر من الليل  للحصول على القليل من المال الذي يعينها على تدريس صغارها ودفع ايجار المسكن بعد أن فقدت عائلها جراء الحرب.
صادفت قبل أيام بجوار المقهى امرأة كبيرة  في السن أراها لأول مرة تتسول  المارة والقاعدين.. ملامحها الشاحبة وملابسها و لهجتها القروية الصافية  ذكرتني بلباس الجدات في القرى.. قالت لي ، بعد أن سألتها ، أن جوع أحفادها الأيتام هو الذي اجبرها للخروج  ولم تكن سوى صادقة في قولها.



انشغلوا بملابس النساء وانواع البالطوهات التي ترتديها الفتيات وألوانها وتفصيلاتها  وعقدوا الاجتماعات المتتالية بشان هذا الأمر الخطير  واصدروا تعميمات للخياطين ، ولم تحرك لهم ساكنا صور النساء وهن يقتتن من القمامة، أو يقمن بتجميع البلاستيك والخردوات من المكبَّات الخطرة  لبيعها بأثمان زهيدة على من يشتغلون بهذا النوع من الأشياء. 




(*)
الموجة الظلامية التي وصلتنا مطلع السبعينيات من الجوار النفطي البدوي جرفت كل إرث اليمنيات  الثقافي الذي راكمنه على مدى قرون من مشاركة الرجل أعمال الفلاحة والانتاج ، فجاءت بالأغطية السوداء ، وجعلت منها عورة  عظيمة  وفرضت عليها تمييزاً ذكورياً  بتبريرات زائفة، بها من معتسفات النصوص ما لا يقر بها عقل، لتخطوا  الخمينية  مطلع الثمانينيات خطوة ظلامية أوسع في مصادرة حق المرأة في الحياة داخل مجتمع متعدد،  راكم على إرث حضاري كبير. وبعد تمكنها في الداخل الإيراني بدأت بتصدير هذا الخطاب عبر أدواتها في المحيط.


من هاتين المدرستين خرجت من الأولى السلفيات الجهادية وجماعات التكفير والهجرة والقاعدة و داعش ومتناسلاتها ، ومن الثانية كل الاتجاهات الشيعية المتطرفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن الناشطة اليوم.



وفي الوقت الذي بدأت السعودية بتفكيك خطاب التطرف سياسياً وكسر أنساقه الصماء فيما يتصل بقضايا المرأة والفنون ، تمضي الخمينية قدماً  عبر أدواتها في إنتاج الأفكار الظلامية والانعزال، ومصادرة الفضاء العام لصلح خطاب الخرافة والكراهية في مجتمعات غارقة في الفوضى والحرب.
_____________
(*) الخطأ الإملائي ورد في  لافتة التنبيه الموضوعة على إحدى الواجهات في السائلة.



*المقال خاص بالمهرية نت * 

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023