آخر الأخبار
الحرب وعدن بنت اليمن
الحرب بكل القهر والألم والمآسي , بكل الخسائر والانتهاكات التي أحدثتها , كشفت لنا رداءا زائفا كان يخفي خلفة صورة قبيحة , لمجتمع ريفي متخلف , وعقلية مغلقة في حدود سلوك النشأة , لم تتأثر بالكم المعرفي الذي اكتسبته من التعليم والتأهيل , الذي لم يكن بالنسبة لها غير ورقة إثبات مستوى دراسي , ولم تستطع الاندماج مع المجتمع المدني والتعايش مع المدينة وتنوعها الثقافي والعرقي وتعددها السياسي و العقائدي , وفي لحظة صراع تعود لتحتمي بالقبيلة والتعصب الجاهلي والعرق والنشأة , وتتحول لمجرد بوق يلمع زعيم كل مؤهلاته أنه أقرب إليهم بالعرق والسلالة , ويمثلهم بالانتماء المناطقي أو الطائفي, ويوفر لهم فرص الشعور بالتفوق وممارسة سياسة الاقصاء والتهميش والتميز على غيرهم من خلق الله من البشر .
55 عاما من رحيل آخر جندي بريطاني محتل من عدن , ورحل المستعمر وتركت عدن ضحية لحرب لصوص الثورات , حرب الأفكار المتطرفة والأيدولوجيات , حرب استهدفت عدن تنوعها العرقي والثقافي , تعددها السياسي والديني , ريادتها ومنارتها الثقافية , ودخلها قوم فيهم حاقدون على تميزها , حاقدون على مقوماتها , حاقدون على المدنية والحضرية التي تنعم بها عدن , وكانت النتيجة هو إغلاق عدن , وتحييد دورها في صناعة المستقبل , وتم حقنها بفكر مستورد , عرف أنه فكر الانغلاق السياسي والاقتصادي والعسكري , الذي جعلها مجرد سجن كبير , تحرسه جماعات شرسة ,أكثر تعصبا للايدلوجيا الممزوجة بالعصبية السلالية والجاهلية.
وظلت تزايد علينا باسم البروليتاريا , والتقدمية , وهي تعزز روح الاقصاء والتهميش للأخر , الذي بدأ يفرز المجتمع ايدلوجيا , وتطور هذا الفرز ليتحول لفرز عرقي سلالي , ثم مناطقي , فرز كانت له ارتداداته التي أحدثت منعطفات عنف وعنف مضاد , وحروب أهلية , عززت روح والعنصرية التي لازالت تدير المشهد اليوم , ويتربع على سلطتها جهابذة العنف والكراهية , والتخلف والجاهلية .
لا تستغرب وتتعجب , من الانهيار القيمي والأخلاقي الذي نراه اليوم في عدن وما حولها , هو نتيجة طبيعية لمنظومة فاسدة ومتخلفة وجدت في الثورة مرتعا , وتربعت عرشا , وعززت من دورها وفرزت سموم العصبية الجاهلية والسلالية , والتمايز العرقي , وشيئا فشيئا دمرت روح التعايش والتنوع والتعدد , وتحت بند السيطرة والتمكين , استأثرت بالمؤسسات والوظيفة العامة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والإعلام وغيرها من أدوات التنوير والتثقيف والتحول , والنتيجة نسخة رديئة لمنظومة سياسية وثقافية واخلاقية , هي اليوم مثال سيئ نراه في عدن بكل تفاصيله , يراد له أن يحكم بلد عريق وحضاري , بنسختين متشابهتين بالسوء في شطريه وان اختلف المظهر والمنظر .
هي نتيجة طبيعية لتحرر تقوده القوى الأكثر تخلفا وتعصبا وجاهلية , وتبدأ بإقصاء وتهميش مصادر الوعي والتنوير , الكوادر المؤهلة والمهنية , لتاتي بكوادر الولاء والطاعة , بمزهريات ديكوريه لا ريحة لها ولا طعم , وهذا ما حدث بعد الاستقلال مباشرة لعدن , ولازال يحدث , وتعاد تكرار نفس النسخة , ونفس المأساة , لتبقى عدن تحت السيطرة والتمكين لا دور لها إلا القبول بأمر واقع يقصيها ويعطل مقوماتها ويلغي دورها , وإن قالت اح , زادوها ألما , وإن أرادت أن تستعيد دورها , وحقها في الشراكة السياسية قالوا عنها أنت بنت من ؟, ونحن حماتك وسنعيدك لبيت الطاعة , ومزيدا من التخلف والانهيار الأخلاقي والقيمي والفساد والإفساد , و لله في خلقه شؤون.
*المقال خاص بالمهرية نت*