آخر الأخبار

صباحٌ بلا قهوة!

الثلاثاء, 13 سبتمبر, 2022

صباح الخير لأحلامنا التي كانت تداعب أجفاننا طوال الليل ونحن نرسمها في مخيلتنا، نرسمها عشقًا برشة الحب تحت جنح الظلام خوفًا من أن تلمح الأزماتُ بعضًا من ابتساماتنا -ونحن نحاكيها-، فتغضب منا وتصب علينا أصناف العذاب.

  صباح الخير لتلك الأحلام التي تركناها دموعًا على السرير وتنهيداتٍ وسط الصدور، لكي نعود لإكمال حديثنا معها ورسمها في الليلة المقبلة.. سنظل هكذا نرسمها ونبكيها حتى يحين موعدُ خروجها للحياة الدنيا وإنا على أملنا هذا لباقون وإن كان الواقع غير مبشر بجميل.

   صباح الخير لقهوة أمي تلك التي كانت تحضرها على الحطب داخل الإبريق الأسود، كم كنتُ أعشقها يا أمي وكم كنتِ ترفضين أن أشربها وكنتِ تتعللين بأني سأصاب بالاسمرار تارةً، وتارة أخرى كنت تخبرينني أني إذا شربتها لن أنجح في مدرستي، وأنا العنيدة دائما كنت أحتسيها خفيةً منك، وكم كانت لذيذة يا أمي، لذيذة على الرغم من خلوها من السكر، لذيذةٌ جدًا كطعم الطفولة والبراءة، كطعم اللعب في منتصف الشارع بعد المطر وتحت رعاية عينيك الجميلتين، لذيذة تمامًا كوطن بغير حرب ولا غلاء في المعيشة، كطعم الاستقرار الذي ذهب ولم يعد.

  لقد كان تحضير إبريق القهوة والخروج به إلى نسوة الحارة طقسًا من طقوسك اليومية وعادةً لا تتخلين عنها أبدًا، وأنى لك ذلك وجارتنا العجوز تأتينا في الصباح الباكر تدق الباب بعصاها تسأل عن القهوة إذا ما تأخرت قليلًا.  

   الآن يا أمي أدركت ما قيمة أن نحتسي كأسًا من القهوة تحت شجرة وارفة الظلال في جوٍ خالٍ من الضجيج، من ضجيج الحرب والدمار، ضجيج الأوجاع والهموم، أنتِ كنت تحتسين قهوتك مع جاراتك وتتبادلن أطراف الحديث عن أمور خارجة تمامًا عن الموت، خارجة عن الحصار والقتل والخراب، خارجة تمامًا عن الفقد والحرمان والغلاء المعيشي وخلو المطبخ من المواد الأساسية، وما أروع تلك الأجواء المفعمة بالاستقرار.

  آه يا أمي كم أتمنى اليوم أن أشرب تلك القهوة، أن أبتدئ صباحي بها، أن أعيش تلك الأجواء الجميلة التي هي اليوم حلمك أنت أيضًا، لقد تغير كل شيء ههنا، إننا نعيش في ضجيج مستمر وكأن من شأن الحرب أن تجعل داخلنا يأن وخارجنا يبكي.

  الصباح يا أمي هو الصباح ذاته لكن كل ما حولنا قد تبدل، أصبح كيئبًا أسودًا غيرته رائحة البارود ودخان الحرب، كدرته أصوات الرصاص، والجوع الذي يحيط ببني الإنسان ويتربص بهم شرًا في كل لحظة من الزمن على الرغم من أنهم يكافحون ويتعبون كثيرًا لكي لا يفتك بهم.

    أتدرين يا أمي؟ إنني أبتدئ صباحي بلا قهوة، حتى هذه الأخرى لم تعد كما كانت في السابق فقد أصيبت بعدوى مرارة الواقع، أصبحت مرة للغاية والفنجان الواحد منها كفيل بأن يصيبني بالدوار، والحق يا أمي ليس على القهوة بل على المزاج الذي عكرته الأيام وما يحدث فيها من أوجاع.  

  صباحي بلا قهوة كما أنه بلا فرح ومحمل بالكثير من الأتعاب، هكذا نحن بنو البشر نتأثر بكل شيء حولنا وكيف لا يتأثر من ينام وهو يسمع أصوات الرصاص ويصحو وهو يسمع عن موت جديد وإصاباتٍ أخرى تضاف إلى سجل العاجزين في وطنه الموجوع.

    *المقال خاص بالمهرية نت  

المزيد من إفتخار عبده