آخر الأخبار

رسالة إلى صديقة في أرض المهجر!

الخميس, 25 أغسطس, 2022

وجعٌ يلتهم كل شيءٍ في الوجود، ضجيجٌ كبيرٌ يحدث بداخلنا لو أخرجناه إلى الوجود لتأذى منه العالم بأكمله، ما عساني أن أقول لك ياصديقة وأنت توديعين عامك الثلاثين وتستقبلين عامًا جديدًا بفرح كبير؟.

   قد يكون من المؤسف أن أتمنى لك مئة عام، وأنت قد أمضيت الكثير من عمرك في الوجع والقهر والحرمان، إذا تمنيت لك مئة عام قد يظن البعض أنني أتمنى لك مزيدًا من الوجع لكنها لغة اعتاد عليها كل من يبارك لمن يعيش عيد ميلاده.

  صديقتي هل تذكرين يوم أخبرتك أن الواقع جميلٌ جدًا ولكنا نحن من ننظر له بعين الاستياء؟ أتذكرين ذلك؟ إنني أعتذر لك اليوم عن تلك الكذبة التي كنت أوهم بها نفسي وأحاول أن أوهمك بها أنت أيضًا.  

  ياصديقة، الواقع اليوم كما كنتِ تظنين تمامًا إنه مليء بالأسى مشبعٌ بالوجع، هنا يموت الطفل وهو للتو حصل على لعبته التي بكى كثيرًا وتوسل لأبيه حتى يحصل عليها، يموت قبل أن يلعب بها كبقية الأطفال في العالم.

  هنا يسيطر الجوع على الأجساد، فما تعودين ترين إلا أشباه أشخاص هدتهم الحياة، فمن يكون في سن العشرين ترينه وكأنه قد جاوز الأربعين لشدة ما تحمل من الأسى، فيظهر ذلك جليًا على وجهه ورأسه.

  بالمناسبة كيف تبدين أنت اليوم وقد جاوزت الثلاثين وأنت تعيشين خارج الوطن؟ هل أثر مرور الأعوام على وجهك أم أنك ما تزالين صغيرة لأنك قضيت سبعة أعوام خارج الوجع؟، أقصد خارج الوطن، لا ترين ما نرى من المواقف التي تجعل الولدان شيبًا.

  قد تقولين إنني أبالغ في حديثي معك لكنها الحقيقة، أنا اليوم أرى الواقع من حولي بعين الحقيقة كبرتُ أكثر كما كبرتِ أنتِ، ولكني كلما مر عامٌ ذهب من قلبي شيءٌ؛ فيضيق القلب ولم يعد يتسع لمزيد من التحمل.  
  اعذريني يا صديقة على الإطالة ولكن، كيف هي الأجواء في الغربة؟ هل تشعرين بالغربة؟، هل وجعها يشبه وجع الموت والفقر والجوع الذي نعيشه هنا؟، ثم ماذا تعني لك الغربة؟! هل تشبه ما نحن فيه اليوم، إننا هنا نخشى أن نخرج من منزلنا لكي لا نصاب بطلقة قناص فهو متربص بنا ليل نهار، إن القناصين الذين تغرسهم المليشيات في التباب يا صديقة يتلذذون بقتل الأبرياء كأنهم يلعبون لعبةً في جهاز الجوال، فإذا ما قتلوا أحدا عندها يسعدون؛ لأنهم قد فازوا فوزًا عظيمًا.

  أرواح الأبرياء هنا ياصديقة لعبةٌ بيد المجرمين يزهقونها متى ما شاؤوا ويدعونها متى ما يرغبون.

  عزيزتي ستقولين إنني قد أصبحت مصابة بحالة نفسية لأني أتحدث دون توقف، قد تكونين على حق بهذا فهنا في واقعنا الكثير من الناس قد أصبحوا مرضى نفسيين لهول ما قدمت لهم الحرب من الأوجاع، ولكثر ما لاقوا من الفقد والحرمان، حتى في شوارع مدينتي تجدين أغلبية الناس يحدثون أنفسهم في شرود كبير يضحكون وتسيل الدموع من أعينهم في اللحظة ذاتها، حتى يحيرك السؤال عندما تنظرين إليهم، تسألين نفسك بماذا هم يفكرون؟ وما المواقف التي تمر أمام أعينهم فيضحكون ويبكون في الوقت نفسه؟.

  معذرة يا صديقة فاليوم هو عيد ميلادك وكان الأحرى بي ألا أذكرك بوجع الوطن، لكني أعتذر مرة أخرى عن هذا وكل عام وأنت على قيد الحياة بلا وجع ولا فقد.  

  المقال خاص بالمهرية نت  

المزيد من إفتخار عبده