آخر الأخبار

بناتُ السماء!

الإثنين, 18 يوليو, 2022

في لحظةِ صمتٍ يسودها كل أنواع الحزن والأسى، تشعر وكأنك تحمل هذا العالم بأكمله على ظهرك دون وقاء، لم تعد قادرًا على التحمل أكثر من هذا العبء على الإطلاق.

  تريد أن تتخلى عن كل شيءٍ، أن تخلعَ كل ما يخصك، حتى ملابسك هذه التي ترتديها تريد أن تتخلص منها؛ لأنها عبء عليك بحد ذاتها، لأنها تحمل بين خيوطها رائحةَ العناءِ الذي تمر به طوال الوقت، منذ الصباح الباكر وأنت ذاهبٌ لكي تتوضأ فتصلي للإله تدعوه في سجودك فلا تجد الماء الذي تتوضأ به فتخبر من حولك أين الماء؟! فيأتيك صوتٌ من بعيد كأنه الصدى يخبرك أن الماء لن يأتي إلى الحارة هذا الأسبوع؛ بسبب أن الذي يأتي بالماء قد ذهب إلى قريته ليقضي بعض الوقت مع أهله هناك.  

من تلك اللحظة وحتى يحين موعدُ صلاةِ العصر وأنت تتخبط بين الأتعاب، والهمومُ تتقاذفك من مكان لآخر حتى تصل إلى هذه المرحلة التي تصبح فيها يائسًا من كل شيء حولك، لا ترى في الوجود شيئًا جميلًا، وكأن كل شيء قد شابه الحزنُ حتى أفقده جماله ورونقه.

  فجأة ودون مقدمات يتغير الجو في عصر يومك الذي تعيشه متكئبًا، تذهب الشمس إلى مخدعها معلنةً عن دخول جو جديد، وبعدها تحلق في السماء سحبٌ كثيفة تسرح في جو السماء وتموج فيها تستعد للحظة زفِّ بنتاها على هذه الأرض التي أنت فيها الآن مكتئب يرثى لحالك العدو قبل الصديق.

   تتساقط بنات السماء على الأرض بزخات كبار فتحتفل الأرضُ مستضفةً كل هذا الجمال الرباني فلا تشتم وقتها إلا رائحة التربة، تلك الرائحة الجميلة التي تبخر الأجواء لينتعش كل من فيها.

   تستقيم وأنت تمط شفتيك من كثرة الملل الذي تعيشه فتمد رأسك من النافذة لترى تلك القطرات التي تنهال من السماء على الأرض فتحييها، تمد رأسك أكثر لترى السماء الملبدة بالغيوم، فتقع على وجهك قطرات من بنات السماء، تقع على وجهك باردةً تسحب تلك الحرارة التي تملأ جسمك، تفتح عينيك أكثر لتحلق في الجو الجميل هذا، وعندها تنعكس الصورة التي في مخيلتك عن هذا الواقع الأليم، ترى ما لم تكن تراه من قبل، ترى الجمال الرباني الذي أبدعه الله سبحانه في هذا الوجود.

  عند ذلك تستشعر رحمة الإله وقدرته العظيمة في تغيير حياتك من شقاء إلى سعادة في لحظات فقط، تتغير الأشياء من حولك، فالأمور التي كنت تراها سلبية عدت تراها إيجابية وهي هي نفسها لم تتغير، فقط هو مزاجٌ فيك عكرته الحربُ وضاق ذرعًا من الوضع المعيشي الأليم الذي تعيشه.

  عندها ترفع يديك إلى السماء تشكر الله على ما أهل عليك به من النعم في هذه اللحظات، وتقول في نفسك: كم أنت رحيم وكريم أيها الرب العظيم، إنك أرحم بنا من أنفسنا وإننا نقنط بشكل سريع فاغفر لنا وارحم.

  هذه هي قطرات المطر عندما تنزل من السماء تعطيك كمًا هائلًا من الطمأنينة تشد عضد روحك المنهارة بروح أخرى أقوى وأجمل، حتى أنك تشعر للحظة أن الحياة كلها هدوءٌ وجمال، فلا حربَ تحدث في الوجود ولا خراب.

    المقال خاص بالمهرية نت 

المزيد من إفتخار عبده