آخر الأخبار

أضحيةُ العيد بين الماضي الجميل والحاضر الأليم!

الخميس, 07 يوليو, 2022

 أصدر نهدةً كأنها صعدت من أخمص قدميه ثم قال: عندما كنت في العشرين من عمري، وفي صباح يوم العيد بالتحديد كنت أُكَفَّل بمهمة كانت تضايقني كثيرًا، حيث كان أبي يمنعني من ارتداء اللباس الجديد؛ فقط لأني سأذهب للمشاركة في ذبح أضحية العيد والإتيان باللحم في وقت مبكر، فأبي- رحمة الله عليه- كان لا يتناول الفطور صبيحة يوم العيد إلا من كبدة الأضحية، وكان عندما يتناول تلك الوجبة الدسمة والمفضلة لديه- التي تحضرها أمي على الحطب وداخل مقلاة من الفخار-، كان يقول لنا: هذه النعمة التي أسأل الله ألا يرزقني أفضل منها؛ فهي الأفضل بالنسبة لي، لكني أسأله أن يبارك لنا فيها.

  كنت أذهب لأشارك في ذباحة الأضحية وأنا أتأفف وأتضايق من الموقف الذي أعيشه وقتها، حتى ينتهي وقت تقسيم اللحم ويأتي موعد القرعة، وعند ذلك أُظهر إبداعي في رمي القرعة على أكوام اللحم بين ذلك الجمع من الناس المضحين، وبعدها أقوم بأخذ حصتي من اللحم وأعود به إلى البيت، وأنا أمشي في طريقي إلى البيت كنت أقول في نفسي: آااه يا أبي إن الحمل ثقيلٌ، ثم ناهيك عن هذا الدم الذي يتساقط عليَّ الآن، هذه المهمة في أغلب بيوت القرية يتكفل بها كبار السن ولمَ أنا من بين هؤلاء من يحمل هذا الهم؟.. وما إن أصل إلى البيت حتى أطرح هذا الحمل الثقيل من على ظهري وأفر إلى الحمام لأغتسل وأنا أقول في نفسي: إن بريق العيد قد أذهبته رائحة اللحم، وقد كانت تستمر معنا هذه الأضحية الأكثر من عشرة أيام نأكل منها بشكل يومي وكان كلما مر عليها يومٌ يلذُ طعمها أكثر أو أن أمي كانت تتفنن بطبخها داخل آنية من الفخار.

  كم كنت سخيفًا وقتها عندما كنت أتذمر من حملي لأضحية العيد، ذلك الحمل أصبح اليوم حلمًا يصعب الحصول عليه، ما كنت أعلم أنه سيأتي وقت لا أقدر فيه على شراء ربع تلك الكمية التي كنت أحملها متذمرًا منها، ربما قُدر لي أن أكلف بمهمة أضحية العيد في صغري حتى تبقى ذكرى جميلة أتذكرها كلما مر الزمن وزاد العناء وقل الدخل، هاهو العيد قد أتى وأنا أرى ابني الذي وصل اليوم لسن العشرين أمامي قد أرهقه الهم أكثر مني يحاول كثيرًا أن يساعدني بشراء أضحيةً للعيد لكن محاولاته كلها باءت بالفشل مع هذا الجبن الكبير الذي يتمتع به التجار في عامنا هذا، ومع ضياعنا المرير في غياهب الحرب التي ما رحمت صغيرًا أو كبيرًا.

  اليوم كم أتمنى أن يعود بي الزمن إلى الوراء وأن أكفل بتلك المهمة التي كانت تضايقني، أتمنى أن أذهب لأخذ أضحية العيد تلك التي ما علمت ثمنها على الإطلاق ولم أسمع أبي يشكو من عدم مقدرته على شرائها، كم أتمنى أن يعود بي الزمن إلى الوراء لأعيش أجواء العيد كما ينبغي لي بصفتي من بني البشر.

    المقال خاص بالمهرية نت 

المزيد من إفتخار عبده