آخر الأخبار

استثمارات الطبقة الفاسدة التي أنتجتها الحرب!!

السبت, 05 مارس, 2022

ستكمل الحرب خلال هذا الشهر عامها السابع، وستدلف عامها الثامن ، وليس هناك في الأفق ما يشير إلى إرادة لإسكات مدافعها، لأنها صارت مع الوقت حرباً منسية في أجندات الرعاة والممولين، وإن حصرها في المناطق الثانوية داخل الجغرافية الملتهبة مقصود لذاته، حتى ينتفع أمراء الحرب وأساطينها من الموارد التي ينتجها اقتصادها الذي لا رقابة على دورته النقدية الضخمة التي تسرِّعُها السوق السوداء وتجارة الأسلحة والمواد الاغاثة والممنوعات وعمليات التهريب التي يشرف عليها قادة ميدانيون على متراسي الحرب ، ويتجلى هذا التدوير النقدي أكثر في الأموال الصلبة غير المنقولة والمتمثلة في تجارة العقارات والمباني، التي صيَّرت مدينة مثل صنعاء واحدة من أغلى مدن العالم فيما يتصل بأسعار الأرض والمباني وإيجارات المساكن والمحلات.

  الكتلة النقدية الكبيرة التي خرجت من الدورة المالية والمصرفية، مع بداية الحرب بسبب السطو عليها ومصادرتها من البنك المركزي وبقية البنوك التجارية، إلى جانب الأموال التي الكبيرة التي دخلت خلال سنوات الحرب بشكل غير قانوني صارت تستثمر في شبكة الصيرفة المستنبتة خارج الجهاز المصرفي الرسمي . هذه الشبكة هي التي توجه عمليات المضاربة التي تستفيد منها طبقة الحكم الجديدة، التي تراهن على استدامة العقار في ظل عدم استقرار أسعار صرف العملة ، إلى جانب عدم القدرة على تحويلها إلى الخارج بسبب الرقابة وعمليات التتبع ، على العكس من الاستثمار في العقارات والأراضي في الداخل والتي تستند أيضاً على فلسفة شابثة في وعي الأسر التقليدية التي ارتبطت لعقود طويلة بمراكز الحكم والتي بقيت تتملك الأراضي والمباني بوسائل الاستحواذ المختلفة، وتورِّثُها لأبنائها داخل المدن وخارجها .


أغلب هذه الأسر لم تمارس التجارة والصناعة القادرة على تركيم رؤوس الأموال ، وتكتفي بتحويل مداخيلها إلى أموال غير منقولة، وفي ذات الوقت تكتنز، هذه الأسر، المجوهرات (الذهب على وجه الخصوص)، والتي صارت في مفهوم الاقتصاد الحديث الاستثمار النائم تحت الوسائد ، لأنه من وجهة النظر التقليدية أضمن وسائل الإدخار مثله مثل العقارات بعيداً عن مخاطر إدخاله في النظام المالي لتعزيز النظام الاقتصادي في الدول غير المستقرة.

  خلال سنوات العشرية الأولى نمت أحياء ومناطق جديدة في أطراف العاصمة صنعاء وبشكل متسارع أدت إلى ارتفاعات جنونية في أسعار الأرض وازدياد الطلب عليها، وأقرب التفسيرات لهذه الظاهرة كانت تقول أن الأموال المغسولة للعمليات القذرة التي كانت تغطي على أنشطتها منظومة الحكم ( تهريب الممنوعات والاتجار بالبشر ودفن النفايات في السواحل)هي التي ظهرت على هيئة مباني وعقارات في بيت بوس وأرتل والعشاش .. الوضع المشابه اليوم هو استتباع لتك الظاهرة ، فصعوبة نقل الأموال وتحويلها إلى الخارج بسبب وضع الحرب جعل من متنفذي سلطة صنعاء المضاربة في هذا القطاع، وهذه العملية لم تقتصر على الأحياء والمناطق الجديدة، بل صارت تنفذ في قلب المدينة.


فبإمكان الواحد منا مشاهدة عمليات هدم لمساكن في مناطق حيوية وشوارع تجارية ، بعضها لم يمض زمن طويل على تشييدها ، لتنهض مكانها وفي وقت قياسي مبان جديدة وبطوابق عديدة مشغولة واجهاتها الرئيسية بالأحجار البيضاء والمنمنمات المكلفة التي لم تعتدها العيون في المباني الحديثة المشيدة قبل سنوات الحرب ؛ سعر الأرض المشتراة لذاتها وكلفة الهدم المرتفع ونفقات الاشغال فيها تصل إلى أرقام فلكية هي الخرى.. 

  قبل أيام قليلة رأيت المجنزرات العملاقة تهدم مبنى جميلاً في شارع الجزائر بصنعاء، لطالما استوقفني شكله المميز بشرفاته وأفاريزه الحجرية التي تنفتح على فضاءات متعددة .. عمر المبنى لا يتجاوز ثلاثين عاماً ومع ذلك لم ترحمه شهية الاستحواذ والهدم.. بعد أشهر قليلة سينهض مكانه برجاً تجارياً لن يكون بكل الأحوال بذات جمال المبنى المهدود.

  ملاك العقارات الجديدة ليسوا معروفين في الغالب ولا يستدل على حضورهم في الحياة التجارية التقليدية في اليمن؛ هم بكل تأكيد من أثرياء طبقة الحكم الجديدة ومواليها الذين تنفق عليهم الأموال لتعزيز سلطة الحكم. وبمقابل الطبقة الثرية الجديدة في صنعاء، هناك ما يشبهها تماماً في عدن ، وخرجت هي الأخرى من عباءة الحرب.. متنفذو الشرعية وفسدتها الكبار بمن فيهم قادة الأحزاب الذين غدت استطالة الحرب وتعدد مساراتها عندهم حالة مستديمة للتكسب ، ومن عوائدها تملكوا العقارات والشركات التجارية في القاهرة واسطنبول والرياض ودبي، مثلهم مثل متنفذي المجلس الانتقالي وضباطه الكبار الذين حولوا فضاءات مدينة عدن إلى سوق مضاربة غير قانوني، لبيع وشراء البقع والمتنفسات العامة، بل و تجاوز ذلك إلى حالات تعدي فجة ونهب لممتلكات موثقة بحماية أمنية في ظل فوضى ضاربة تغرق بها المدينة.

  المقال خاص بموقع المهرية نت 

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023