آخر الأخبار
التحالفات المتبدلة وصلابة الحرب في اليمن!!
خلال الأسبوع الماضي غطت أخبار التنازع الروسي الأوكراني على كل ما سواها من أخبار في العالم ، حتى أن الجميع حبس أنفاسه من انفجار حرب كبرى، في ظل اصطفافات عسكرية وسياسية شديدة التعقيد، أعادت إلى الاذهان صورة ما كان يقترب منها في ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين قبل سنوات التسعينات، وحدها قراءات المصالح الكبرى بين الدول وتلويحات التدخل والنشاط الدبلوماسي استطاعت مجتمعة تهدئة الموقف وأزاحته درجة سابقة عن نقطة الانفجار، لكنها لم تنه الخطر تماماً، خصوصاً بعد تسريب تقارير استخباراتية أن الروس لم يتخلوا عن مخططهم في اجتياح الأراضي الأوكرانية، وقيام القوات الأوكرانية بقصف مواقع في اقليم دونباس مطلع الأسبوع والتي قد تكون شرارتها العاصفة. الرسالة الكبرى التي وجهتها روسيا هي قيامها بمناورات مشتركة مع روسيا البيضاء تحاكي حرباً نووية.
انشغال الدبلوماسية بهذا الوضع جعل من الملفات الملتهبة الأخرى تتوارى قليلاً عن الاهتمام بدرجات متفاوتة ومنها الملف اليمني الذي صار منسياً حتى مع الاحاطة التي قدمها المبعوث الأممي لمجلس الأمن الأسبوع الماضي، والتي كان الأبرز فيها قوله أن تهيئة جديدة من المشاورات السياسية بين المكونات اليمنية ستبدأ قريباً لتخفيف درجة التصعيد العسكري في مأرب وصعدة وحجة، مع حفظ (حق المتنازعين)؛ حتى في ظل التشدد الحوثي الذي لم يزل يمنع وصوله إلى صنعاء.
تخفيف التوتر كما خبرها اليمنيون في السنوات المنقضية تعني إعطاء فرصة جديدة للمتحاربين لالتقاط الأنفاس، وإعادة تنظيم الصفوف حتى لا تنقلب معادلة التوازن ضد احد الطرفين، وعلى وجه الخصوص الطرف الحوثي شديد الالتصاق بالطرف الايراني، والذي لم يزل- أي الطرف الايراني- يلعب بأوراقه المختلفة في مفاوضات البرنامج النووي مع أمريكا والغرب مستقوياً بتحالفاته القوية مع روسيا الاتحادية وجمهورية الصين.
حتى السنوات القليلة الماضية كانت العلاقات الايرانية التركية تصب في صالح الحضور الحوثي، وإن التدخل السعودي الإماراتي في اليمن من وجهة النظر التركية وقتها كان عدواناً صريحاً، وتفاقم هذا الموقف بعد تصفية الصحافي السعودي (جمال خاشقجي) في القنصلية السعودية في اسطنبول في مطلع اكتوبر من العام 2018 ،وتالياً بعد اتهامات تركية لدولة الامارات بتخريب الاقتصاد التركي لكن الأمر اختلف قليلاً بعد تقاربات دبلوماسية سعودية تركية، وزيارة ولي عهد أبو ظبي لأنقرة خلال شهر نوفمبر الماضي وتعهده باستثمارات إمارتية كبيرة في ظل وضع اقتصادي مضطرب.
هذا التطور كان بمثابة اختراق فاعل لجدار التحالف التركي الإيراني وسانده الروسي. فقبل ذلك تابع العالم تفاهمات روسية تركية واضحة حيال أوروبا، وتابع في ذات الوقت تناقضات حقيقية على الأرض السورية، تماماً كما هو الأمر مع الإيرانيين تفاهمات ضد التحالف في اليمن، وفي ذات الوقت تباينات جمة حيال الحرب في سوريا.
تشددات الصقور الجمهوريين حيال الحوثيين في الحقبة الترامبية، صارت أكثر ليونة في الحقبة الديمقراطية لبايدن، والتي اعادت النظر في الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، واعادت المفاوضات بشأنها في فيينا منذ أشهر مضت.
كل هذه التبدلات في المواقف تُقرأ من زاوية مصالح هذه الدول، والتي تفرزها حربٌ عبثية لم تستكن دواليبها العمياء منذ سبعة أعوام، بل تتصلب وتتقوى وتتجذر بثبات في حياة اليمنيين. حرب لم تقفل باب جحيمها، وصارت تتمدد إلى مناطق جديدة / قديمة، وتستدعي إلى اتونها الوف المقاتلين الجدد الذي وجدوا فيها علاجاً لتبطلاتهم وفقرهم، ووجدوا فيها أيضاً تنفيساً لمكبوتاتهم العصبوية وتشددهم؛ ففي الأولى تستدعيها وعود التجنيد والتحشيد وكذا المرتبات الشهرية التي تدفع للمقاتلين الفقراء ، وفي الثانية التحشيد على أساس ديني متعصب، فقد ذكرت إحدى الصحف الفرنسية (انتليجنس ريبورت) في تقرير لها الخميس 17 فبراير 2022( أعده أحمد زيدان مدير مكتب الجزيرة في باكستان) أن جماعات شيعية متشددة في العراق(ألوية الوعد الحق) تقوم بتجهيز عشرين ألف مقاتل لإرسالهم إلى اليمن لمساندة الجماعة الحوثية التي استزفت في السنة الأخيرة الكثير من مقاتليها في محيط مدينة مأرب التي حشدت لاقتحامها في فبراير 2021م كل امكانياتها العسكرية (عتاد وجنود).
المواقف سوف تتبدل وايضاً التحالفات ومع ذلك ستثبت الحرب في الجغرافيا وستطول أو كما قلتْ في مادة منشورة في موقع قناة بلقيس الأسبوع الماضي
" الحرب ستطول لسنوات مادامت ملفات المنطقة لم تغلق وعلى رأسها ملف ايران النووي، وستطول أكثر ما دام الطلب على سلاح الشركات الكبرى مرتفع، و ما دام قرار الوكلاء المحليين ليس بيدهم، وما دامت الحرب تدِّر على قيادات المتحاربين الأموال الطائلة والامتيازات الكثيرة، وستطول أكثر وأكثر مادام رعاتها وممولوها حصروها في المناطق الثانوية لإلهاء اليمنيين بأخبارها البائسة، بعد أن صارت المناطق الحيوية في البلاد (مناطق الثروة والممرات المائية والجزر الاستراتيجية) بيد دول التحالف وإيران، فالأولى مسيطرة عملياً على حضرموت وشبوة والمهرة ومأرب وسقطرى وعدن وباب المندب؛ أما إيران فلم تزل تقبض على الساحل التهامي والعاصمة ومناطق الكثافة السكانية في اليمن الأوسط، حيث المخزون البشري الهائل القادر على تغطية سنوات اضافية للحرب، وحيث مناجم الجباية التي لا تنضب التي خلقت، في السنوات المنقضية، من سلطة الأمر الواقع والعائلات التي ينتسبون إليها طبقة جديدة تتكسب من دم اليمنيين وكدهم الطويل."
المقال خاص بالمهرية نت