آخر الأخبار
اليمن بين أيادٍ بيضاء وأخرى قذرة !!
في حديث صباحي متشعب في المقهى قادنا النقاش إلى الاتفاق أن هناك أياد بيضاء امتدت لليمنيين في تاريخهم المعاصر، وتحديداً منذ قيام ثورة سبتمبر 1962م ، وأخرى قذرة اسهمت ولم تزل في انتاج الفوضى والأزمات والحروب التي يعيشها اليمنيون في شمال البلاد وجنوبها منذ ذلك التاريخ حتى يومنا.
اتفقنا أن هناك أربع دول رئيسية قامت بدعمه بدون منٍّ أو أذى ،أما هذه الدول هي :مصر والكويت والاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية . فالأولى زجت بجيشها العسكري للدفاع عن الثورة والجمهورية ودفعت ثمن ذلك غالياً كما يعلم القاصي والداني، فانخراط الجيش في حرب السنوات الخمس في اليمن (1962-1967م) كان له الأثر البالغ في نكسة العام 1967م ، وإلى جانب جيشها المسلح زجت ،مصر، بجيش كبير من المعلمين والخبراء لتصميم وبناء هياكل الدولة الوليدة في قطاعات التعليم والاقتصاد والبنية التحتية، وخصصت جزءً كبيراً من موازناتها المالية لتشغيل مؤسسات الدولة الوليدة التي لم ترث من عهد الإمامة غير الهباء والغبار؛ ولم تزل مصر عبد الناصر بدعمها اللامحدود حتى الآن علامة مضيئة في تاريخ اليمنيين، رغم محاولات التشويه الكبيرة التي تقوم بها قوى مرتبطة بالإمامة ومملكة ال سعود، التي حاربت عبد الناصر في كل مكان.
الأيادي البيضاء لدولة الكويت في دعم اليمن منذ ستين عاماً يمكن لمسها في مرافق التعليم والصحة والثقافة . فجامعة صنعاء بكل كلياتها وأقسامها العلمية أنشأتها الكويت ودعمتها مالياً لقرابة عقدين من الزمان، وانفقت بسخاء على تشييد كلية الطب وتجهيزاتها الرفيعة، حتى قيل أن هذه الكلية بإمكانياتها - وقت افتتاحها- تفوقت على كلية الطب في جامعة الكويت.. الكثير من الشواهد الحية على هذا السخاء قائمة حتى اليوم في مستشفى الكويت ومدارس الكويت والمكتبة العامة ومشاريع المياه والطرقات، وحتى في هذه الظروف شديدة القسوة تحضر دولة الكويت كداعم حقيقي لمشاريع الاستجابة الانسانية في مناطق النزاعات الخطرة في اليمن.
لا ينكر دور (الاتحاد السوفيتي) سابقاً في دعم اليمن الا جاحد وناكر معروف، فلو أزحنا الغشاوة عن أعيننا التي صنعها الاسلام السياسي وأجهزة الدولة الأمنية والاستخباراتية والتي عمدت تشويه سياسات ذلكم البلد الكبير في سنوات الحرب الباردة لاكتشفنا كم أخلص لليمنيين ليس في دعم ثورته وانشاء الكثير من مشاريع البنى التحتية مثل :(مصنع اسمنت باجل ، ميناء الحديدة ، طريق تعز الحديدة، المدارس الثانوية الصناعية، تدريب الجيش، مشروع سردود الزراعي وعشرات المشاريع الأخرى في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وانما في تعليم وتأهيل عشرات الآلاف من الطلاب اليمنيين الفقراء من شمال اليمن وجنوبه في جامعاته واكاديمياته ومعاهده التخصصية المدنية والعسكرية.
جمهورية الصين الشعبية كان ولم يزل دورها في دعم اليمن واضحاً. وبعيداً عن حمى التنافس التي حكمت سياسيتي الاتحاد السوفيتي والصين وقتها ، فلم تزل المشاريع الصينية الكبيرة التي نفذت لتدعيم البنى التحتية في البلد الفقير والمتخلف والمعزول شاهدة على حضورها الانساني والتنموي في حياة اليمنيين، فمن هذا الذي يمكنه القفز فوق أول شق وتعبيد لطريق عصري في مناطق صعبة ووعرة وأعني طريق الحديدة/صنعاء التي صنعت الخرق الأول في جدار العزلة بين البحر والجبل في مملو الإمام, ومن ينكر دورها في تشييد مصنع الغزل والنسيج في صنعاء ومحلج القطن في باجل الذي كان إحدى القلاع الصناعية الكبيرة في البلاد وحاضنة نقابية شديدة الخصوصية، ومن ينسى المستشفيات الرئيسية التي شيدتها في المدن الثلاث الكبيرة صنعاء وتعز والحديدة... الثانوية الصناعية الفنية في صنعاء التي بقيت لأكثر من عقدين من الزمن تخرج المئات من المهنيين والمهندسين من أبناء الأسر الفقيرة ، والذين وفرت لهم في أقسامها الداخلية كل سبل الاعاشة والتحصيل العلمي.
وبمقابل هذه الأيادي البيضاء التي امتدت لانتشال شعب يبحث عن حياة تحت الشمس هناك أيادٍ قذرة عملت على إبقائه في ظلمة القرون : مفككاً ،متخلفاً، معزولاً ؛ ويكفي الاشارة إلى ذلك بالتحالف الشيطاني الذي تشكل بعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ، لإجهاض الثورة وإغراق البلاد في الفوضى والدم .. ذلكم التحالف استخدم الأموال المدنسة واستقدم المرتزقة من كل الاصقاع لإطفاء جذوة التحول الثوري في البلاد.. تشكل ذلكم التحالف من: (الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة (بريطانيا) والمملكة العربية السعودية، وامبراطورية ايران ، واسرائيل ، والمملكة الأردنية الهاشمية) لدعم نظام الإمامة (الكهنوتي المتخلف) الذي انتفض عليه الشعب، وكان بسبب هذا الفعل الاجرامي أن دخلت البلاد في دوامة من الحرب الأهلية لثمانية أعوام، شكلت سلسلة من انتكاسات متتالية لعملية التحول التي بشرت به الثورة، وابتدأت السلسلة بانشقاقات الصف الجمهوري بتبني السعودية العديد من المشايخ والسياسيين والضباط المناوئين لعبد الناصر وجيشة ، وتبنت في سبيل ذلك مؤتمر الطائف منتصف الستينيات الذي طالب بدولة اسلامية عوضاً عن الجمهورية، وصولاً إلى انقلاب الخامس من نوفمبر في العام 1967م ، وما أعقبه من حصار صنعاء لسبعين يوماً من الحالمين بعودة نظام الامامة، ولولا صلابة الصف الجمهوري الشاب ،الذي تولى ادارة المعركة بعد هروب قيادة الصف الأول ورئيس الدولة من العاصمة المحاصرة لسقطت المدينة وحلم الثورة، بملايين جنيهات الذهب السعودية التي انفقت على المرتزقة الذي حوطوا صنعاء من كل مكان.
بعد عامين وقليل ، من حصار صنعاء، رعت السعودية مصالحة (جمهورية ملكية) في اطار حلفائها بعد استبعاد الصف الجمهوري الذي كان يرى في السعودية العدو التاريخي لليمنيين, وبموجب المصالحة أنتجت صيغة للحكم من: مشيخ الجمهورية المسبحين بحمدها، وجماعة الاسلام السياسي المتهوبنة، والملكيين (الهاشميين) والضباط الموالين لها؛ وبهذه الصيغة التشاركية التي تحكمنا حتى اليوم ، عملت، هذه الجارة، طويلاً على دعم القوى التقليدية التي تقف عائقاً أمام بناء الدولة والعصرنة، وأغرقته في الظلامية الوهابية ،التي فككت منظومة علاقته الاجتماعية والثقافية البسيطة التي أنتجتها حالة الفلاحة التقليدية، وعلاقة المرأة بالإنتاج وسوق العمل، وفككت الحالة المدينية التي تراكمات بفعل دخول البلاد في حالة العصرنة ابتداء من مطلع ستينيات القرن المنصرم ، وكذا المتراكم في حالة الحداثة التي شهدتها مدينة عدن ومحيطها القريب في الحقبة الاستعمارية للمدينة.
كان بمقدورها، بالمليارات التي صرفتها لأدواتها، إعادة تكوين بلاد مستقرة تستفيد من مواردها المتنوعة، لكنها فضلت انتاج سلطة تابعة تأتمر بقرارات اللجنة الخاصة ، التي لا ترى في اليمن غير مكبٍ خلفي لكل قاذوراتها ، وعلى راسها أدواتها الرخيصة، التي لا ترى في اليمن غير مغنم يتوجب نهبه وتدميره وتركه نهباً للفوضى.
عوَل اليمنيون كثيراً على قيادتها تحالفاً لإنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم ايرانياً، وإنهاء معاناة اليمنيين من هذا الاستبداد وعودة اليمن إلى حاضنتها العربية الطبيعة، لكنهم اكتشفوا أنها تتأمر وبشكل فج مع شريكتها دويلة الامارات وإيران ، لتقسيم البلاد وإغراقها في الفوضى والدم ، وبواسطة أدواتها التي تتفنن في اطلاق المسميات عليها وآخرها الشرعية.
المقال خاص بموقع المهرية نت