آخر الأخبار

"الضربنة" وسلطة الجباية !!

السبت, 06 نوفمبر, 2021

رن جرس الشقة، فتحت الباب فاذا برجلين غريبين بملابس شعبية أمامي مباشرة، أحدهما يحمل دفتراً مفتوحاً يتهيأ للكتابة فيه، والأخر يحمل كيساً بلاستيكياً متسخاً وبيده عصا.  بادرني الأخير بسؤال من أنت، وهل أنت صاحب البيت أم مستأجر؟  فقلت له كان من الأولى التعريف بنفسيكما أولاً ، والغرض من وجودكما  هنا أمام شقتي ؟ حاول الاعتذار بطريقة شبه جلفة، وقال أنهما مكلفان بحصر المساكن في المنطقة ، ويريدان معرفة  كم يدفع المستأجرون  لملاك العقارات  ، فقلت لهما هل أنتما من الضرائب مثلاً ؟ قال: تقريباً ، ونريد معرفة المبلغ الذي تدفعه نظير استئجارك للشقة ، فقلت لها رقماً لم يقتنعا به وأرادا تحليفي يميناً على ذلك ، قلت لهما اذهبا وتأكدا من مالك العمارة بنفسه إن كنتما لا تصدقان. رمقاني، قبل مغادرتهما، بنظرات قاسية ،فقفلت الباب ورائهما بقليل من العنف.
  أسكن  في مدينة صنعاء منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ، ولم يحدث أن طرق (مفتشو ومثمنو ومخمنو)  الضرائب والواجبات  أي من أبواب الشقق الخمس التي سكنتها في أحياء متفرقة من العاصمة، وهي المرة الأولى التي تحدث معي . صحيح أني أرى في أوقات متفرقة أمثال هؤلاء وهم يتنقلون بين المحلات التجارية والمطاعم، لمطالبة  ملاكها بدفع ما عليهم من ضرائب وواجبات وتحسين و نظافة وغيرها من المسميات التي تستخدم لابتزاز الجميع. 


  قبل عامين وجدت أحد الأصدقاء وهو مالك عقاراً (بيت بثلاث شقق)  بذات الحارة التي أسكن فيها، وكان بلحظة انفعال شديد، وأخبرني بأنه عائد من مكتب الضرائب الذي فرض عليه مبلغاً كبيراً،  يتجاوز تقديرات الأعوام الماضية بمرات عديدة، فقال لهم أن متحصلات ايجاراته من الساكنين في شقتين في العقار لا تتناسب مع المبلغ المفروض عليه.. أتدرون بماذا رد عليه المسئول ؟ قال له :ارفع الايجار عليهم لتتمكن من دفع الضرائب لآن شققك تستاهل ذلك .. وصل الأمر بهذا المسئول تحريض المالك على رفع الايجارعلى موظفين بائسين انقطعت مرتباتهم من سنوات طويلة.


  وروى لي نفس الصديق أيضاً عن مالك آخر ، دخل بمشادة شديدة مع ذات المسئول، الذي هدده بعنف و قال له: أنه سيرسل أحد الموظفين لعد أحجار البيت التي يمتلكها،  لفرض ضريبة حتى على عدد الأحجار !! قبل يومين بالضبط ذهبت لشراء قارورة زيت سمسم (سليط جلجل) من ذات المعصرة  في الحي، ومن ذات الشخص الذي أعرفه ، وحين مددت له بالآلاف الثلاثة ، طلب مني خمسمائة ريال  زيادة على السعر الذي اشتريت به ذات الكمية من اسبوعين فقط (0.75ملم). ، فقلت له أن الدولار الذي تتحججون به دائماً لم يتغير سعره ، ثم ان هذا المنتج محلي ويجلب من تهامة والجوف كما تقول قال لي ليس الدولار وانما (الضربنة) !! استغربت  من ورود هذا الملفوظ  على لسانه،  وحين سألته عن المعنى قال: أنهم فرضوا عليه ضريبة مقدارها ستمائة ألف ريال على مائة شوال من السمسم قادمة من تهامة، بمعدل ستة الأف ريال على كل شوال، ولهذا السبب يطالب بهذه الزيادة.
  وجدت أحد معاريفي يتجادل في المقهى مع شخص لم يسبق لي وأن رأيته في المكان ، فعرفت منه لاحقاً أن  تعميمات مشددة غير معلنة صدرت لعقال الحارات بالتعاون مع موظفي (هيئة الأوقاف) لحصر المساكن المبنية على أراضي الوقف ، وإبلاغ ملاكها بالتقيد بدفع مبالغ شهرية للهيئة، تتجاوز بعشرات المرات تلك المبالغ التي كانوا يدفعونها للوزارة ومكاتبها طيلة السنوات الطويلة الماضية ، وبما أن أسرته تمتلك عقاراً على أرض وقف في ذات المنطقة فالمطلوب منه سداد ايجارات للهيئة، لم تخطر بباله مطلقاً، لا كرقم ولا كطريقة تعامل، وإن ذلك الشخص هو من نقل إليه  فحوى التعميمات  التي عرفها من مصادر خاصة به.  

  في مطلع شهر اكتوبر الماضي لم أستطع اتمام لقاء رتبته مسبقاً مع مسئول بمؤسسة خاصة ، وعرفت بعد وصولي إلى مكتبه أنه منشغل مع مندوب هيئة الزكاة، الذي (طبَّ) عليه فجأة حاملاً معه اشعاراً غليظاً ، يتوجب عليه وبموجب هذا الاشعار دفع (زكوات)  عن سنوات ماضية بمبالغ كبيرة، أو الإقرار بها لتقسيطها إن اقتضى الأمر.

  تضطر الكثير من المنظمات تنفيد مشاريعها خارج مناطق سلطة الحوثيين، ليس بسبب التضييق على أنشطتها فقط ، وإنما هرباً من الجبايات التي تفرضها هيئة خاصة أنشأتها لهذا الغرض، التي تستقطع نسب كبيرة من حجم التمويل ذاته. 

  مصلحة الضرائب وهيئة الأوقاف وهيئة الزكاة والجمارك  ،وغيرها من جهات الجباية القاهرة أيضاً صار تحت تصرفها قوات عسكرية وأمنية ،لإنفاذ قراراها الخاصة بالجباية، وليس باستطاعة أي شخص وصلت إليه عين الجابي ويده  أن يتخلص بذات الوسائل التي كان يتبعها سابقاً.

  تجتبي هذه الجهات مليارات الريالات شهرياً من أصحاب المحلات والشركات  والعقارات وغيرهم ، بوسائل شتى، غير أن هذه المبالغ لا يُصرف منها على مرتبات الموظفين المتوقفة من سنوات طويلة، ولا لتقديم خدمات للمجتمع في التطبيب والتعليم ، وإنما توجه للإنفاق على طبقة الحكم الجديدة ومصالحها ومشروعها الاستحواذي بالحرب. 
  المقال خاص بموقع المهرية نت     

لماذا يشوهون عدن الجميلة؟!
الأحد, 10 ديسمبر, 2023
الجبايات بموازين حسَّاسة!
الأحد, 26 نوفمبر, 2023