آخر الأخبار
الإمارات والسعودية واللعب على المكشوف في سقطرى
قالت العرب قديما: (ما يوم حليمة بسر)، ويضرب المثل في أمر انكشف واشتهر ولم يعد خافيا على أحد.
وهذا المثل ينطبق تماما على الأدوار التي تلعبها الإمارات والسعودية في سقطرى، فلم يعد الأمر خافيا على كل ذي لب وبصيرة، وأصبحت الناس في الأرخبيل تعي تلك المكايدات، وتفهم تلك الأدوار، حتى الراعي في جبله والصياد في بحره الذين لا علاقة لهم بالسياسة البتة انكشفت لهم تلك الأدوار ولم تعد خافية.
في مايو 2018م مع زيارة رئيس الوزراء حينها أحمد عبيد بن دغر عملت الإمارات توثرا ملموسا في سقطرى، وقامت باستفزاز بن دغر، وأنزلت معدات عسكرية ثقيلة في مطار سقطرى، لتسارع السعودية بإنزال قوات عسكرية بما يقارب الألف جندي بعدتهم وعتادهم في سقطرى، لغرض حماية الشرعية من استفزازات الإمارات، وتحت هذا الغطاء صار للسعودية موطأ قدم في سقطرى، ومد نفوذها إلى ميناء سقطرى، لغرض مراقبة السفن الإماراتية وتفتيشها وإخضاعها لقوانين البلد.
وبعدها وأثناء حكم المحافظ محروس صارت هناك مشادات بينه وبين السفن الإماراتية، التي طالما عملت على استفزاز المحافظ محروس وذلك بعدم الخضوع للتفتيش والقفز على القوانين، وتدخل وتخرج دون عتيد أو رقيب. كان حينها محروس يناشد قائد القوات السعودية في الأرخبيل ويذكره بالغرض الذي أتوا من أجله، وهو حماية الشرعية والحد من الاستفزازات الإماراتية، لكنه يواجه بأذن من طين وأذن من عجين، ويخرج من عنده بمواعيد عرقوب، وبخفي حنين.
لم يدم الأمر طويلا حتى ضاقت الإمارات ذرعا من المحافظ محروس الذي يقف شامخا كالطود أمامهم، معكرا صوف حياتهم في سقطرى، ولطالما أصدر توجيهات صارمة وشجاعة، منها أنه أوقف إحدى طائراتهم موجها عليها السلاح، والسبب انتهاكهم لسيادة الدولة وقوانين البلد.
بعدها حركت الإمارات أذنابها، وساقت مرتزقتها لتضييق الخناق على محروس، وذلك بتأجيج الشارع، وعمل أكثر من عشرين مظاهرة، ونصب الخيام على بوابة ديوان المحافظ لمنعه من الدوام، وإخراج النساء والأطفال لعمل فوضى ومشاغبة وزعزعة الاستقرار، بل تطور الأمر إلى اقتحام مبنى المحافظ وتكسير الأبواب والنوافذ، والاشتباك مع حرس المبنى. كل هذا يجري على مرأى ومسمع من قائد القوات السعودية، وكلما اشتد الأمور وعلم أن موقف محروس سيكون صارما تجاه العابثين يتدخل بتهدئته الأمور لغرض انقاذهم من بطش المحافظ.
لم تعد الإمارات تتحمل مواقف محروس وصرامته أكثر، فغيرت الاستراتيجية وعملت على شراء ذمم بعض الضباط في الجيش والأمن من ضعاف النفوس، وعملت على دعمهم ماليا وعسكريا، وطلبت منهم التمرد على المحافظ، وإعلان الخروج المكشوف على الشرعية برمتها. كل هذا يجري والسعودية تتفرج تفرج المستمتع بما تجري إليه الأمور، وكأن هناك أمر دبر بليل بين الشقيقتين، رغم التواصل وعدم اليأس من قبل محروس. فأعلنت بعض كتائب الجيش وبعض وحدات الأمن ولاءها للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا.
بعد مدة ليست بكبيرة أعلن الجيش كله تمرده على الشرعية، وتطورت الأمور إلى إعلان المواجه المسلحة ضد الشرعية، وصارت صدامات بالأسلحة الثقيلة والخفيفة بين الطرفين، وما زالت السعودية تتفرج والإمارات تدعم بقوة.
في تلك الأثناء تم جلب مئات المرتزقة من الضالع ويافع وردفان وغيرهم على متن سفن إلى سقطرى للقتال ضد الشرعية، وفي الحال وصل الخبر إلى قائد الواجب السعودية، ووعد بأن يردهم إلى بلادهم بأقرب حال، ليتفاجأ الجميع بوصول سفن أخرى محملة بالمرتزقة، ليصبح وعد الرجل في خبر كان.
ما زال المحافظ محروس يذكرهم بواجبهم بحماية الشرعية، وردع الخارجين عن عباءتها، ويتردد عليهم بين الفينة والأخرى.
تطورت الأمور أكثر وتعقدت حتى حصل الهجوم المسلح واقتحام العاصمة حديبو بقوة السلاح من قبل مليشيات الانتقالي وذلك نهار الجمعة الموافق 19/ يونيو 2020م.
المضحك في الأمر أن القوات السعودية نشرت أسلحة ثقيلة على خط حيبق بغية فصل قوات الانتقالي ومنعها من دخول العاصمة حديبو، وتوعدت أنها سوف تردع وبقوة تلك القوات، ولو اضطر الأمر إلى قصفها بالطيران لحصل ذلك. وفي صباح الاقتحام للعاصمة حديبو سحبت السعودية أسلحتها وجنودها، وعادت بهم إلى تكناتهم العسكرية. وللعلم فإن المبنى الذي يقطنه قائد قوات الواجب السعودي وقواته يقع على البوابة الغربية للعاصمة حديبو، ويفصل بينه وبين إدارة أمن المحافظة الشارع الداخل إلى حديبو.
وعند الهجوم مرت قوات الانتقالي بحدها وحديدها من أمام بوابة قوات التحالف، وحصلت اشتباكات عنيفة في إدارة الأمن التي يبعد عنهم بضعة أمتار فقط، وهم ينظرون ويستمتعون بغير خجل ولا حياة.
بعدها فر المحافظ محروس ومن معه عبر البحر، لتبقى السعودية والإمارات ومرتزقتهما سمنا على عسل. فقد صفى لهم الجو، وطابت نفوسهم، وسرحوا ومرحوا كما يشاؤون، ليذيقوا المواطن المغلوب على أمره الويلات، من انقطاع الرواتب، وارتفاع الأسعار، والفراغ الإداري، والبلطجة والفوضى، وتكميم الأفواه، والاعتقالات القسرية.
في خطوة أخرى مثيرة للجدل ومضحكة في الوقت ذاته دفعت الإمارات بمرتزقتها قبل أيام بالاعتصام أمام بوابة مطار سقطرى الدولي، ومنع القوات السعودية من الخروج والدخول من وإلى المطار، والحجة هي أن السعودية منعت الطائرة الإماراتية من الهبوط في مطار سقطرى. وتواصل الاعتصام لأربع أيام متتالية. بعدها قام زعيم المليشيات رأفت الثقلي خطيبا في المعتصمين ليعلن أنه قد تم الاتفاق مع قائد الواجب السعودي على عدة نقاط منها: أن المطار سوف يتم تسليمه للانتقالي، وأن القوات السعودية سوف تخرج منه في الحال، وأنه سوف يتم صرف المكرمة السعودية المقطوعة منذ تولي المليشيات زمام الأمور... وتم رفع خيام المعتصمين بناء على خطابه. مر على هذا الخطاب أكثر من عشر أيام ولم يتنفذ منه بندا واحدا، ولن يتنفذ. وليس هذا سوى لعبة جديدة سوف تنكشف أسرارها خلال الأيام القليلة القادمة، وسوف يرى الجميع مسرحية جديدة.
كل تلك الأحداث تبين تبادل الأدوار بين السعودية والإمارات في سقطرى خصوصا، وفي مناطق الشرعية عموما، ولم يعد خافيا هذا اللعب على أحد.