آخر الأخبار
شواهد اغتيال وطن
علينا كيمنيين أن نقف أمام مشكلتنا الرئيسية بواقعية، إنها الحرب، وكوارث سبع سنوات تلد من رحمها، حيث تخلقت أدوات اليوم (مليشيات وعصابات)، ثقافة اليوم (نعرات، وكراهية، وعنصرية).
الحرب ويعرف الناس جيدا من أشعلها، ومن يستثمرها اليوم، هي مرتعه وتجارته ومعيشته، كلما تنطفئ شعلة هنا، يشعل شعلة هناك، هي أداته السياسية في الضغط، وهي وسيلته لبلوغ غاياته، حتى آخر رمق للحياة، وآخر روح بريئة تزهق، وآخر قطرة دم تراق لجندي تم توظيفه للمهمة.
ما نعانيه اليوم، هي شظايا متفجرات هذه الحرب، وأدواتها، تنال منا شمالا وجنوبا، لا تفرق بيننا، تنقلنا معا من سيئ لأسوأ، بلدنا ينهار ويتشظّى، وحياتنا على كف عفريت الحرب، لا كرامة ولا مواطنة ولا حرية ولا مساواة، فقدنا الروابط والعلاقات الحميمة، التي أضعفت النسيج الاجتماعي، ووحدة الهدف والمصير، وانقسمنا بعدد تعدد قوى العنف، منهكين تائهين في صراعات عبثية، تفقدنا شيئا فشيئا الكرامة والسيادة والإرادة والآدمية، مشتتين في ربوع الأرض، هاربين من قمع العنف، وظلم وقهر أدواته، باحثين عن وطن بديل، وحياة محترمة تأوينا، نحمل في ذكرياتنا وطن وارث وأصالة وتاريخ نرويه لكل من يسألنا عن هويتنا، ونحتفظ به لأسلافنا، هربا من سؤال التاريخ، وفشل الحفاظ على وطن، والانخراط في تحالفات مشبوهة، تستهدف الهوية والأرض والإنسان.
كل قضايانا الوطنية، وما تحمله من سمو الأفكار والقيم والأخلاقيات، تعرضت لانحراف عن مسارها المحوري السليم، بفشل المنظومة السياسية والإدارة، وتسببت في نتائج كارثية، اليوم نحن غارقون في إعلان النكف ضد بعضنا بعضا حول تلك النتائج، نزينها ونضع لها الرتوش، لتكن مبرر لمعارك عبثية، لا تخدم قضايانا الوطنية ولا الإنسانية، بل تغذي الحرب واستمرارها وأدواتها الجشعة، وتقدم الوطن لقمة جاهزة للأطماع الإقليمية والدولية.
هل تمكنت الحرب منا؟ وفرضت علينا أدواتها وثقافتها وسياستها واقتصادها؟
ليتحول الجميع تحت خدمتها، من قوى سياسية واجتماعية وثقافية، والبعض من حيث يعلم أو لايعلم صار أداة من أدوات تسعير الحرب، وجزء أصيل من الإشكالية، مروجا لأفكار العداوة والخصومة الفاجرة، لتعزيز مبررات الحرب.
الحرب يا رفاق الوطن، تدمر ثقافة وسلوك المجتمع، وتقضي على فكرة الدولة، لتعزيز فكرة اللادولة، وتدمير مؤسسات الدولة على الأرض، لتعيد تموضع أدواتها خارج إطار الدولة ومنظومتها السياسية والثقافية، وتوظف كل العواطف والمشاعر الثورية، وتطلعات وآمال وأحلام الناس، لأهدافها التدميرية، تشتغل من خلال التناقضات، وتغذي الثارات والنعرات، وتخطط لمزيد من التنازع بالعنف، العنف وتسمية الدلع عمليات جراحية ضرورية لتعافي وطن، وكيف لوطن أن يتعافى بمشرط العدو التاريخي، وطبيب باع ذمته لذلك العدو، وقرر معا اغتيال وطن.
اغتيال وطن في وضح النهار، باستهداف مرتكزات البلد الاقتصادية، ومؤسساته الحيوية، ومصدر دخله القومي، وتدمير شريان الحركة الاقتصادية، والأوعية الإرادية، والعملة الوطنية.
باقتصاد حرب يستنزف ثروات مقدرات البلد، يغطي نفقات استمرار الحرب.
اقتصاد حرب له أوعيته الخاصة، وأدوات العبث والنهب والفساد، حيث يتركز الإنفاق خارج إطار مؤسسات الدولة، والغير خاضع لأنظمة وقوانين، ورقابة ومحاسبة، حيث يستشري الفساد، وتوزيع ما تبقى من فتات للأنفاق الغير عادل، لتوظيف الأدوات وشراء الذمم وأدوات القتل والهيمنة والاستبداد، رواتب جنود مجندة من عسكر وإعلاميين وسياسيين، منافقين وأفاقين.
وفي الوقت نفسه يجوع الناس البسطاء والمدنيين، حيث تجد صراخهم وعويلهم على راتب حقير لا يغني ولا يشبع، لكنه يبقيهم كم يوم أحياء يرزقون، ويقدم لهم بقطرات تقيهم عذاب العطش والجوع، وتسقيهم الذل والمهانة.
وهذا ما يحدث اليوم، من مخطط تدمير اقتصاد الدولة، وتعطيل مصالح العامة من الناس البسطاء المدنيين، وتدمير مرتكزات البلد الاقتصادية ومواردها وأوعيتها وشريان الحركة المالية، مما يتسبب في خلل يسبب شلل اقتصادي، تعجز فيه العملة الوطنية في أن تنافس العملات الأجنبية، وتنهار وينهار معها اقتصاد البلد وفكرة الدولة، وكل قضايانا الوطنية، وسمو الأفكار والقيم والأخلاقيات.
وترتفع رايات الحرب وأدواتها الجشعة، ويرتفع شأن المنافقين والأفاقين، بفضل بنت الحرام وأولاد الحرام إنها الحرب إخواني، إن استطعتم أن تتوحدوا ضدها، وقادرين على إيقافها، ستفتح أمامهم أبواب المستقبل، وإن لم تستطيعوا فمزيدا من الانهيار إلى ما لا يحمد عقباه، والله على ما أقول شهيد.
المقال خاص بموقع المهرية نت