آخر الأخبار

عيهن مصبيحه

الخميس, 04 فبراير, 2021

   تقع عيهن مصبيحه أو مصبيحوه في مديرية قلنسية غرب سقطرى في قرية القيسي وهي من المعالم الأثرية الشهيرة التي تشتهر بها سقطرى عامة ومديرية قلنسية خاصة ولشهرة هذ الموقع ارتبطت به الكثير من القصص والأساطير منذ القدم ومعنى كلمة: (عيهن) أي عيون الماء المتعددة، وتعني كلمة (مصبيحه): الشيء الذي يظهر فجأة مع بزوع الفجر على غير وجود سابق له.

  تشكل عيهن مصبيحه مجموعة من العيون المائية التي تنفجر أسفل الجبل الممتد الذي يضلل منطقة القيسو ويحجب الرؤية عن مديرية قلنسية من ناحية الجنوب وعلى أثر ظهور هذه العيون تمت زراعة الكثير من النخيل ذات الأنواع الفريدة التي تعد مصدرا أساسيا في انتشارها في عموم سقطرى ولاتزال بعض الأنواع حصرية في عيهن مصبيحه أو قرية القيسو إلى اليوم.

   والسؤال الذي يتباذر إلى الأذهان من أين جاءت هذه الأنواع الفريدة التي لا توجد إلا في القيسو أو في قبيلة القيسي دون غيرها من مناطق سقطرى الزراعية.  

   وللإجابة عن هذا السؤال لابد لنا أن نشير إلى أن الكثير من أهالي قلنسية يعملون في مهنة الصيد منذ القدم وقد كانوا من أوائل من يمتلك البواخر الصغيرة التي يسافر عليها الناس من وإلى سقطرى في رحلاتهم العبادية (الحج) أو العلاجية أو السياسية والعلمية إلى المحافظات اليمنية أو الدول المجاورة أو الرحلات التجارية إلى الحبشة وغيرها كما كانت في قلنسية خيصة تعد من أبرز الموانئ الذي ترسوا فيه السفن في الذهاب والعودة في تلك الفترة.

وقد كانت علاقات أهالي قلنسية بغيرهم من الدول والمحافظات الأخرى أكثر من غيرهم وقد ربطوا علاقات مع غيرهم عبر المصاهرة والتبادل التجاري أو حتى عبر رحلات الصيد.
  ومن الطبيعي أن هذه العلاقات جلبت الكثير من العادات والتقاليد كما جلبت الكثير من أدوات التجارة ومن المزروعات المتنوعة وربما هذا هو السر وراء التنويع الفريد في نخيل عيهن مصبيحه ولا يقتصر التأثير على الاستيراد إلى قلنسية فقط بل هناك تصدير أيضا حيث تم توريد بعض أنواع النخيل إلى حضرموت وهناك نوع من النخيل يسمى السقطراوي مازال مشهور بتسميته إلى اليوم في حضرموت.

   وتعد منطقة قيسو قبلة للمساكين والجوعى في الجانب الغربي من سقطرى حيث أن 90% من مناطق وقرى هذا الجانب لا توجد فيها نخيل بخلاف الجانب الشرقي من سقطرى الذي تتواجد فيها النخيل في جميع القرى والمناطق وتعتمد بدرجة أساسية في غذائها على التمور بالإضافة إلى أرزاق الدواب.

  وقد اشتهر سكان منطقة قيسو بالكرم فهم يتقاسمون نتاجهم من التمور مع الناس الوافدين إليهم من شتي المناطق الغربية المجاورة في موسم الخريف وظلوا محافظين على هذه العادة إلى اليوم.

   تعتبر عيهن مصبيحه قبلة السياح ومثار إعجاب أرباب الإعلام وكثيرا ما تجد محترفي التصوير يركزون عدساتهم منبهرين بروعة المكان ومندهشين بجماله الخلاب ونظرا لشهرة هذا الموقع الواسعة فقد ارتبطت به الكثير من الأساطير منذ القدم وأكثرها تداولا وحكاية إلى اليوم قصة العجوز القيسية التي تسكن هذه المنطقة فقد روي أنها كانت تخرج من بيتها عند حلول الثالثة فجرا حتى تتمكن من جلب الماء من أعلى الجبل وحتى تتمكن من العودة باكرا وحتى تسبق غيرها قبل نضوب الماء وكانت عدتها التي تجلب بها الماء قربة من مصنوعة من جلد الماعز تتم دباغته وتربط فتحاتها بإحكام وقد يتجاوز سعتها 20 لترا يكون مؤنة بيتها وسقيا أغنامها من الماء ليوم واحد وتعاود جلب الماء في اليوم التالي وتقطع مسافة قد تستغرق ساعة في الذهاب وأخرى في العودة فضلا عن وعورة الطريق وثقل الحمولة.   

   وفي إحدى الأيام أثناء عودتها عرض لها في منتصف الطريق ملك بصورة إنسان فقير فسألها أن تسقيه ففتحت القربة وسقته وبعدما روى عطشه طلب منها أن يتوضأ فمكنته مقدارا من الماء يكفيه وبعد أن أتم وضوئه طلب منها أن يسقي معزته أو حماره فسكبت له حتى أفرغت قربتها وفي رواية طلب أن يغتسل ورواية أخرى طلب أن يغسل ردائه كل ذلك والمرأة تستجيب حتى نفذ ما لديها من الماء فعطفت قربتها وهمت بالرجوع تستقي الماء ثانية فناداها وشكرها ثم قال لها بكري في الصباح قبل شروق الشمس وستجدين في هذه المكان من أقصى الجبل أشياء هي لك فبكرت المرأة فوجدت المكان يسيل عيونا من الماء العذب الزلال ويحفها مجموعة من النخيل متعددة الأشكال والألوان والثمار فشكرت الله على هذا العطاء وقالت مجموعة من القصائد في الحمد والثناء وفي وصف قصتها وجنتها عيهن مصبيحه.

   رافقت التسمية عيهن مصبيحه القصة منذ قديم الزمان إلى اليوم وقد رويت القصة بأكثر من طريقة ودخلت فيها الزيادة عند بعض الرواة كما اعتراها الاختصار عند آخرين والصواب أن هذا المكان منفذ لمياه منطقة مايهه التي تتمركز فوق جبال قيسو حيث يجتمع شيء من المياه ويختزن في ثنايا الجبال ليجد طريقة عبر هذه العيون المتفجرة أسفل جبل قيسو ونظرا لوجود المياه قامت الناس بجلب النخيل المتنوعة وزراعتها من شتى بقاع الأرض.

  وهناك مشهد آخر يماثل هذا المشهد وهو العيون التي تتواجد في منطقة مومي حيث تجتمع مياه الأمطار في صحاري المناطق المرتفعة وجبالها وتخرج بعد ذلك في مناطق متنوعة ومن أبرزها عرهر الذي يخرج في منطقة حالة في الناحية الساحلية شرق سقطرى وهو أحد المزارات السياحية الهامة
  وليس هذا الكلام من قبيل التشكيك في قصة المرأة القيسية الكريمة لكن هذا مجرد تحليل شخصي ونتيجة جيلوجية طبيعية.                   

المقال خاص بموقع المهرية نت