آخر الأخبار
عادات غريبة في سقطرى
كثيرة هي العادات التي تنفرد بها سقطرى دون غيرها من شعوب الأرض وهي عادات متوافق عليها بين قبائل ومناطق سقطرى عامة من الشرق إلى الغرب وهذا الاتفاق يبين حجم التعاون المتبادل بين ربوع الأرخبيل رغم التباعد وقلة المراكب والزاد مما يعني أن هذه العادات انبثقت من عرف واحد وقانون رسمته سياسة واحدة، ولا يعني هذا الاتفاق أنه لا توجد مميزات تميز كل منطقة عن غيرها، ولكن كل هذه الميزات لا تخرج في مجملها عن العادات الأساسية المتفق عليها.
وفي هذا المقال نتحدث عما يرافق سنة الختان من العادات والطقوس وأغلبها من الآثار الدارسة التي لا يعرفها إلا القليل من الناس ممن يهتم بالتراث وهي ليست موغلة في القدم بالقدر الذي يجعلها أثرا من الآثار الدارسة.
فماتزال هذه العادات حاضرة في المجتمع إلى عهد قريب لا يتجاوز سبعين أو ثمانين سنة تقريبا وما زلنا نجد أشخاصا كثر عايشوا هذه العادات واقعا عمليا ونفذت طقوسها عليهم.
صحبت عملية الختان مجموعة من الطقوس والمشاهد المثيرة التي يفرضها العرف فالختان مناسبة لا تقل أهمية عن غيرها من المناسبات الأخرى كالزواج والولائم والتحكيم وغيرها.
ونظرا لهذه الأهمية فإن الإخلال بهذه الطقوس والتقصير في هذه العادات يعد عارا يلحق القبيلة واستضعافا للفرد من قبل أسرته بل حتى الأيتام والضعفة تتعاون القبيلة جميعا لإقامة لهم كآفة الطقوس المصاحبة حتى لا تلحق العار بنفسها أو بأحد من أفرادها.
عملية الختان خاصة بالذكور ولم نجد أي أخبار تذكر عن ختان الإناث كما هو الحال في بعض المحافظات.
ولا تتم عملية الختان إلا بعد سن البلوغ حين يتجاوز الشاب الخامسة عشرة سنة وما فوق وحين تظهر عليه آثار البلوغ كظهور شعر الشارب وغيره
بعد سن البلوغ يبدأ أفراد الأسرة بالاستعداد لإقامة مراسيم الختان وحين تتهيأ ظروفهم يشعرون القبيلة بذلك فيقوم الشيخ بجمع أفراد القبيلة ويدعوهم إلى جمع الشباب البالغين الذين لم يتم ختانهم حتى يقام لهم مهرجان جماعي واحد ويحدد موعد إقامة الاحتفال.
من يقوم بالختان أفراد من عامة الناس تدربوا على ذلك مع معلم خاص وهناك أفرد يرثون المهنة من آبائهم و هؤلاء الأطباء التقليديون من الطبقات الاجتماعية النادرة في المجتمع فهم قلة لا يتواجدون في كثير من القبائل بل يستقدمون من مناطق بعيدة.
ويسمى طبيب الختان باللغة السقطرية (مزيدهر) ويمتاز بالدقة والسرعة وخفة اليد وحدة الآلة وهذه الآلة عبارة عن موس صغير مصنوع من الحديد وله مقبض من قرن الغنم وهي حادة جدا لا تستخدم عادة إلا للتطبيب الإنساني أو الحيواني.
في حفلة الختان تذبح الكثير من الغنم والبقر وأحيانا الجمال وتقام موائد من الطعام للعامة والخاصة ويجتمع الناس من القبائل المجاورة مباركين للعريس فهو في عرفهم عريس لا يفصل بينه وبين الزواج إلا الختان وفي بعض القبائل يحظى حفل الختان باهتمام أكثر من حفل الزواج.
يستعد العريس للختان فيحلق رأسه كاملا ماعدا بعض في أعلى رأسه من الجهتين ومن ثم يغتسل ويلبس ثيابا جديدة ويتطيب بأطيب الطيب ويجلب له أهله ومعارفه وأصحابه الهدايا والمنح العينية والمادية.
وتقام للعريس جلسات خاصة من أقاربه ينصحونه ويشجعونه ويزرعون في نفسه العزيمة والبأس لتحمل آلام الختان ويعرفونه مغبة الخوف أو الارتعاش حيث أن أبسط حركة توحي بالخوف تعد عارا عليه وعلى الأسرة فالاهتزاز أو غمض العينين أو عض الأسنان بقوة أو عض الشفاه يعد عارا كبيرا يلازمه إلى آخر عمره وقد يحول بينه وبين الزواج فترفضه كافة النساء لجبنه وضعفه وقلة عزمه في تحمل المشاق.
ويقال عنه: (فارح بصرهر أو فرد بصرهرر) أي هرب من الألم ونحوه وهناك متربصون يراقبونه بدقة عالية ويعلنون للجميع عند حصول أدنى خوف كما يشجعونه عند ثباته ويباركون صموده وتتناقل أخبار الخائف والشجاع في المحافل والقرى وتصل إلى العامة والخاصة.
تكون عملية الختان في ميدان واسع يجتمع فيه الرجال والنساء لمشاهدة الطقوس المصاحبة للعملية ويشكلون حلقة دائرية واسعة يدخل المدارة منهم من أراد المشاركة فيبدأ أحدهم بالدخول ويلقي الأهازيج والأشعار ويرد عليه آخر من جهة أخرى وترافق هذه العملية الفنية فنون أخرى كعملية إظهار القوة والمهارة في القفز حيث يقوم أحد الشباب فيقفز ثلاث قفزات يضع عند نهاية القفزة الأخيرة علامة تبين مكان وقوفه ويقوم آخر يزيد عليه في القفز أو يرسب فيخرج من المشاركة وهكذا حتى يفوز أحدهم بالوصول إلى مكان لا يستطع أحد بلوغه وقد يكون القفز فوق صخرة كبيرة ونحو ذلك والجماهير يراقبون المشهد بحماس كل منهم يشجع أفراد قبيلته.
حين تبدأ عملية الختان توضع أحجار بعدد العرسان وهي بمثابة الكراسي لكي يجلس عليها العرسان وتسمى هذه الحجارة ( مسكيدوه) ومن ثم يتجهز العرسان فيقومون بخلع جميع الثياب التي عليهم ويدخلون المدارة عرايا من غير ثياب ويطوفون حول المتجمهرين بأهازيج ورقصات حماسية تعزز من ثقتهم بأنفسهم ومن ثم يقفز كل منهم حتى يجلس على الحجرة المعدة له ويفرج بين رجليه مستعدا لقدوم الطبيب وفي أقل من دقيقة يكون الطبيب قد أنجز عملية الختان بمهارة عالية وسرعة فائقة ويقوم المختون بحركات بهلوانية ويهزج بقوله:( إلا بعارش أ شيبب راحق هش صببوحه) ومعناها صباح الخير يا عجوز الله يباعد صباحتك وهي دعوة بطول العمر. وهكذا تنتهي مراسم الختان فيتفرق الناس ويبقى البعض يحيون الليلة بالدفوف والأشعار إلى قرابة الفجر وبعدها يتفرق الجميع كل إلى حال سبيله.
المقال خاص بموقع المهرية نت